17 تشرين والوصايا العشر

بقلم عقل العويط

ما 17 تشرين ؟

17 تشرين ليس صنمًا ليس معبودًا ليس إلهًا ليس حزبًا ليس يومًا ليس تاريخًا ليس موعدًا في الجغرافيا في المكان. لحظةٌ هو فحسب، لحظةٌ خارقةٌ فقط وحسب، خارجَ الوقتِ خارجَ المكانِ خارجَ الزمان. كمثلِ تأجّجِ النبعِ في الأرضِ وعدمِ تَحَمُّلِ البقاءِ في حلكةِ الأرض. كمثلِ ولادةِ البركانِ بعدَ طولِ مخاض، كمثلِ الخروجِ على منطقِ الليلِ والنهار، على منطقِ العمرِ،

على منطقِ السكّةِ، كمثلِ انزياحِ القلبِ إلى العقلِ وبقائهِ فيه، كمثلِ انزياحِ العقلِ إلى القلبِ وتعمشقهِ به، كمثلِ لحظةِ البرقِ، كمثلِ لحظةِ الصعقِ، كمثلِ النظرةِ النسائيّةِ القاتلة،

كمثلِ الجوعِ المفترِس، كمثلِ الشبقِ الجامح، كمثلِ تشلّقِ الصخور، كمثل الانهيارِ الثلجيّ، كمثلِ وصولِ لحظةِ الشهوةِ إلى مبتغاها الانتشائيِّ المُحيي المميت، كمثلِ كلِّ تصعيدٍ فائقِ القدرةِ على الاحتمالِ، على البقاءِ والاستمرارِ في الوقتِ في المكان.

17 تشرين لحظةٌ في العقلِ الممتاز.
كمثلِ شيءٍ يكونُ فحسب، خارجَ الماضي خارجَ الحاضرِ خارجَ كلِّ وقتٍ ومكان.

تَذَكّروا: كمثلِ 14 آذار، فوقَ الجميع، أبعدَ من الجميع، من متناول الأيدي، من تَقَبُّلِ “المساكنة” و”التعايش” و”الزواج” والزعبرة والإكراه و… المصادرة.

تَذَكّروا عكسيًّا: كمثلِ الرابعِ من آب، كمثلِ الساعةِ السادسةِ وسبعِ دقائقَ من الرابعِ من آب، حيث لا قبل لا بعد. كوقتٍ خارجَ الوقت.

وتَذَكّروا: 17 تشرين لا أبا له ولا أمّ. وُلِد بذاته. وسيظلّ. سيظلُّ يولَد باستمرار.

ثمّ أخيرًا – لا آخرًا – تَذَكّروا واتّعِظوا وتَوَاضعوا: 17 تشرين لا ينام على حرير، ولا في سرير، ولا – خصوصًا – يطيق أنْ يضعه أحدٌ تحت إبطه، ويأخذه معه إلى بيته. 17 تشرين بيتُهُ أكثرُ من المنازل والبيوت، وأوسعُ، وأرحبُ. سيّدٌ حرٌّ مستقلٌّ. عقلُهُ العقلُ، قلبُهُ القلبُ، وسقفُهُ أعلى. أعلى من كلّ حدٍّ وانتماءٍ وسماء.

17 لحظةٌ هو في دولةِ الحرّيّةِ، دولةِ العقلِ والحرّيّة.

وصايا

الأطفال : أعِيروا لبنانَ أهدابَكم وعيونَكم، وأَلبِسوه وجوهَكم وميثاقَ الشجر في الغابات، وغَنِّجوا شَعرَه، وقَبِّلوه، وهَدهِدوه، وارسموا روحَه بسلالمِ الزرقةِ الدفينة بمدارجِ الأخضر بالبياضِ الممتاز بالأحمرِ اللعوب، ودَرِّبوه من أقصاه إلى أقصاه على ارتداءِ أثوابِكم، وخَربِشوه، ولاعِبوه، ومَتِّعوه بالضحكات بالشيطنات بالولدنات بالبراءات، واجعلوه ولدًا شقيًّا، ثمّ خبِّئوه تحت القلوب لينام بثيابه بحذائه الصغير، ومَكِّنوه من الليل من اللّاوعي ليحلم وينمو ويكبر ويطير…

الأطفال أيضًا: نَزِّلوا القمرَ المتواري خلفَ الجبال ليكونَ ضيفَه ليكونَ السميرَ، وسَهِّروه من الهزيعِ الأوّلِ إلى الهزيع الأخير إلى تباشيرِ الفجرِ إلى حريرِ الشروقِ لينطلقَ بنعاسه ويتعمشقَ بفساتينِ المعلّماتِ في المدارسِ في الملاعبِ تحتَ نظرِ النجومِ الهارباتِ إلى أسرّةِ النومِ الكسول…

النساء: إغسِلْنَه بالدعاءِ بالرأفةِ بالنبلِ بتطلّبِ المساواةِ بالتمرّدِ بالإباءِ بفكرةِ الورد عن نفسِهِ بغيمِ الخريفِ بمنطقِ الطيرِ بشبقِ النسيمِ بزعرناتِ نجمةِ الصبحِ بمكبوتِ الأحلامِ بهواجسِ الرغباتِ بالشهواتِ بالطيبِ بالزوفى بالناردين بالماءِ الليّنِ السلسبيلِ بورقِ الحَورِ بغواياتِ العندليبِ بعطرِ الحبقِ بالجنسِ المشتاقِ إلى الجنسِ بالأمومةِ بالأنوثةِ بالعيونِ المنحنيةِ من فرطِ الحنانِ بالرموشِ بالشفاهِ بهندساتِ الخيال…

النساء أيضًا: بنبذةِ الأنوثةِ والألوهةِ بلمسةِ الأناقةِ بالذوقِ المؤنسِ رَتِّبنَ منازلَه، وبالحرّيّةِ أَوضِحنَ مهمّةَ الشرفات…

الجبال: أحرسيه بالخرائطِ العليا بكِبَرِ الأرزِ بالضبابِ بتحليقِ النسورِ بندفِ الثلوجِ بجنحةِ الصخرِ بالوعرِ بأوجاعِ العواصفِ بحكمةِ التواريخِ بحنكةِ الدهورِ وبمرارات الطغاةِ وخيباتِ الغزاة…

المدن (والسهول والأودية وهلمّ): إفتَحي أمامَ عينيهِ وقلبهِ ليهتدي بقناديلِ عينيهِ وقلبهِ، وأضيئي زيتَ أيقوناتِهِ فيقشعَ ويرى، ووسِّعي أمامَ رئتَيهِ ليتنفّسَ ملءَ رئتَيهِ وليصلَ إلى الساحل والبحرِ ويربحَ الخريرَ والهديرَ ويفوز بمعنى المكان بالفضاء بالمناخ بالمدى بالمتسع برحابة المحتوى بمتعة المختبر وصفوة الحرّيّة والملتقى…

الفلاسفة: لا تُقلِقوا احتمالاتِهِ بضنى أجناسِ الملائكةِ ولا تقضّوا سلامَهُ ولا تُخَربِطوه ولا أيضًا تعيثوا فسقًا في نبوغِهِ ولا تُفسِدوا عيشَهُ ولا خصوصًا تُفَلسِفوه لئلّا ينحرفَ عن فلسفتِهِ المجموعةِ بالفطرةِ بالاحتمالِ بالبداهةِ بذكاءِ القلبِ بالعقلِ بنزاهةِ الشمسِ بمنتهى الأرضِ وحلاواتِ الروح…

الشعراء: لا تنفشوا ريشَ لبنان لئلّا يَتَنَرْجَسَ (من نرجس) ويَتَطَاوَس (من طاووس) ويغترّ، بل فقط كونوا شِعرَه وشعراءَه وكلماتِ ليلِهِ الطويل ومَرِّروا له السرَّ وكلمةَ السرّ ودَرِّبوه على صيدِ الحبرِ المستحيلِ ليربحَ الحبرَ والمستحيل…

الروائيّون: كما ينبغي أنْ تُروى بلادٌ وتُكتَبَ…

جمهرة الخلّاقين والمفكّرين والمثقّفين والرسّامين والنحّاتين والمسرحيّين والفنّانين من كلّ نوعٍ وجنس: لا تخترِعوه بل واظِبوا على كيمياءِ ترابِهِ وسمعةِ حبِّهِ وطَرِّزوه بالعقلِ بالشوقِ بالحرّيّةِ ورَسِّموا حدودَه وآفاقَه ليكتشفَ كلَّ يومٍ أنّه يولَد كلَّ يومٍ كما لم تَلِدْه حقيقةٌ أو تُوَضِّعْه جغرافيا وحدود…

العشّاق: اعتبِروه عشيقًا عاشقًا وأطلِقوا سراحَهُ في الهنيهاتِ في اللحظاتِ العشيقاتِ العاشقاتِ ليؤدّي دورَه في العشقِ مطلقًا، وإذا شاء أنْ يُنجِبَ فلينجِب، وليكثّر ذرّيّتَهُ في مناطقِ الولهِ ووجهاتِ الظنون…

الأحرار الثوّار (المواطنات والمواطنون حصرًا وطبعًا وكُلًّا): كما تفعلُ منارةٌ في الزمهريرِ في الحلكةِ وفي الأوقاتِ الصعبة، وبلا حساب. فلا تثِقوا بعهدٍ ولا بوعدٍ ولا برئيسٍ ولا بنائبٍ أو بوزير، ولا تناموا على وهمِ بوصلةٍ، ولا على ضغثِ ضوءٍ، ولا على حريرِ شيءٍ أو أحدٍ، ولا أيضًا على سريرٍ، بل كونوا الجوهرَ، مغناطيسَ لبنان، وفكّوا قيودَ ذلِّهِ وأسرِهِ، وحَرِّروه من عصاباتِ سرّاقِهِ وطغاتِهِ، واجعلوه ملحًا طيِّبًا، ومَلِّكوه كيانَهُ فيكونَ الدولةَ، ويكونَ الدستورَ، ويكونَ يكونَ الطفلَ، ويكونَ الجبلَ والسهلَ وهلمّ، ويكونَ الحرّيّةَ والعقلَ، فيكونَ السيّدَ الحرَّ المستقلّ…

اخترنا لك