كتب منير الربيع
كلام كثير، علناً وفي الكواليس، حول العلاقة بين سوريا وحزب الله، في ظل الحرب الإسرائيلية على لبنان واشتمالها على جزء من الجغرافيا السورية. يختلف كلام الكواليس عن الكلام العلني. ولكن بالتأكيد هناك وقائع متغيرة بفعل الحرب وآثارها وتداعياتها، والسعي للبحث في اليوم التالي لما بعدها. عند لحظة عملية طوفان الأقصى، حيّدت دمشق نفسها عن مسار الصراع وعن جبهة الإسناد. بينما انخرط حزب الله في المعركة. خلال الأيام الأولى للحرب أجرى وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين أمير عبد اللهيان زيارة إلى بيروت ودمشق. في بيروت كان التوافق كاملاً حول مساندة غزة، أما في سوريا فقد اختفلت وجهات النظر.
الأسد ينأى
في اللقاء مع عبد اللهيان، قدّم بشار الأسد كل الأسباب الموجبة التي تدفعه إلى عدم الانخراط. بداية الوضع السوري الداخلي بعد سنوات من الحرب، وأن أي فتح لجبهة جديدة سيسهم بإضعاف النظام أكثر فأكثر، وأنه لا يمكن نقل قوات عسكرية من شمال سوريا أو الوسط إلى الجنوب. كما قدّم تبريرات حول صعوبة الوضع الاقتصادي الخانق، وأن سوريا تتعرض لحصار كما تتعرض لعمليات إسرائيلية بشكل دائم ومستمر. كذلك قدّم الأسد أسبابه وقراءته لمعارضة حركة حماس، التي يتهمها بأنها انخرطت إلى جانب الثورة السورية. أما الأهم، فكانت قراءة الأسد أو معطياته المرتبطة بمسار الحرب الإسرائيلية وتداعياتها، والتي وصفها بأنها 11 أيلول جديدة وستكون تداعياتها حروب لا تنتهي، لذا لا يمكن لسوريا أن تنخرط في هذه الحرب. كما أن الأسد نصح الإيرانيين وحزب الله بعدم الانخراط في هذه المعركة، لأنها سترتد عليهم بشكل سلبي، ولأنها ستكون حرباً كبرى.
المهم بقاء الأسد!
لم تكن إيران قادرة على عدم تفهّم دمشق، لا سيما أن سوريا كانت قد تلقت نصائح عربية وروسية بعدم الانخراط، وإيران لم تعد وحدها المسيطرة بقوة وفعالية وأحادية على الجغرافيا السورية أو على القرار السوري. تفهم الإيرانيون الموقف السوري، كما تفهّمه حزب الله على لسان أمينه العام الراحل السيد حسن نصرالله، الذي خرج في أحد خطاباته قائلاً إنه ليس المطلوب من سوريا وإيران القتال في هذه المعركة، وإن موقف سوريا ودورها معروف “وهي بصمودها تخدم المحور”. هذا الكلام، لا تزال تردده مصادر قريبة من حزب الله في هذه المرحلة وتقول: “إن حزب الله يعلم أن سوريا غير قادرة على الدخول في هذه الحرب لأسبابها الداخلية، ولكنها في المقابل لا تزال حريصة على تقديم الدعم والمساندة للحزب في لبنان، وهناك سلاح يتم تمريره”. وتضيف المصادر: “ليس المطلوب من سوريا التورط في هذه الحرب، بل أن تحافظ على نفسها وبقائها، والمهم أن لا يسقط النظام. فبقاء الأسد هو مصلحة إيرانية ومصلحة لحزب الله، أما في حال الانخراط فيمكن أن يتدخل الإسرائيليون والأميركيون بقوتهم الكبيرة لإحداث تغيير كبير في سوريا، ومن ضمنها إسقاط النظام، أو الدخول في معركة مفتوحة معه. وهذه حتماً سترتد سلباً بالمعنى الاستراتيجي على حزب الله”.
تضييق لا حصار!
في المقابل، تشهد الكواليس السياسية نقاشاً حول أي دور يمكن لدمشق أن تلعبه في مرحلة لاحقة لضبط الحدود وعدم إدخال الأسلحة لحزب الله، وعدم استخدام المعابر الشرعية وغير الشرعية في الإمداد الذي يعتمده الحزب. هنا تقول المصادر القريبة من الحزب إن سوريا سيكون لها دور، ولكن هي تبلغ كل المعنيين الدوليين بأن ذلك لن يكون هدفه محاصرة حزب الله أو خنقه، بل بالتفاهم معه، وفي إطار حل سياسي شامل. وحسب المصادر، فإن دمشق توصل رسائل واضحة للحزب أنها لن تكون موافقة على أي محاولة لمحاصرته أو خنقه. وهنا تستشهد المصادر بصواريخ فادي 1 وفادي 2 التي يستخدمها الحزب، وهي صناعة سورية. كما تستشهد بحصول عملية نقل للأسلحة من سوريا إلى لبنان في الفترة الماضية، ولا سيما صواريخ مضادة للدروع ذات إصابة دقيقة.
إلى جانب كل الكلام العلني، هناك كلام من نوع آخر يدور في الكواليس الضيقة، حول دور روسيا في إبعاد الأسد عن وحدة الساحات، بالإضافة إلى دور للدول العربية التي انفتحت على دمشق لإخراجها من الحضن الإيراني أو لتقويض النفوذ الإيراني على الجغرافيا السورية. مما تشهده الكواليس أيضاً، امتعاض لدى الحزب من بعض الإجراءات التي تتخذها دمشق على الحدود اللبنانية السورية، والتي تصفها مصادر متابعة بأنها إجراءات تضييق على حركة الدخول والخروج، وخصوصاً حركة نقل الأسلحة، بالإضافة إلى إجراءات أخرى اتخذت في جنوب سوريا عبر التضييق أيضاً على حركة الحزب وحلفاء إيران، وعدم القيام بأي تحركات أو عمليات عسكرية انطلاقاً من الجنوب السوري. كما أن بعض المصادر تفيد بأنه في الأسابيع القليلة الماضية طلبت دمشق من بعض الفصائل العراقية الخروج من الجنوب السوري، منعاً لحصول مواجهة مع الإسرائيليين، الذين قد يتخذون من وجود هذه الفصائل ذريعة للإقدام على خطوات عسكرية داخل الأراضي السورية.