بقلم رياض عيسى
استهداف البيوت التراثية والمواقع التاريخية في البلدات والمدن اللبنانية يعكس الوجه الأشد خطورة للعدوان الإسرائيلي، فهو لا يقتصر على تدمير المنازل والممتلكات، بل يطال عمق الهوية اللبنانية والتراث الإنساني العريق الذي يميز هذه الأرض.
تعد البيوت التراثية اللبنانية جزءًا من ذاكرة الوطن، فهي ليست مجرد أعمدة وجدران وسقوف، بل تجمع في تفاصيلها قصص الأجيال والحضارات التي تعاقبت على بنائها وازدهارها، بدءًا من الكنعانيين والرومان، والصليبيين، وصولًا إلى الحضارة الإسلامية، وقد صمدت هذه المعالم العريقة أمام كل الغزوات والحروب والتغيرات التي شهدتها المنطقة، حافظةً هيبتها وأسرارها عبر الأجيال .
وبقيت تلك المواقع كالحصون المتينة شاهدة على صلابة إرادة سكانها وعزيمتهم، ولم يزدها الزمن إلا جمالًا ورسوخًا في الذاكرة الجماعية للشعب حافظة هيبتها وأسرارها عبر الأجيال. محملة بكل ما تحتويه من مكتشفات ولوحات فنية وزخارف معمارية فريدة.
هذه البيوت هي تعبير عن هوية تاريخية وثقافية، جذورها راسخة في التاريخ والأرض وقد صمدت لعقود طويلة، حاملة في كل ركن منها روايات الماضي ومعالم الأجيال، حتى أصبحت رمزًا للهوية الوطنية والثقافية، وقد ورثت من جيل إلى جيل كنوزًا تاريخية تحكي تاريخًا امتد لآلاف السنين.
الأثر الثقافي والتاريخي لاستهداف المنازل التراثية٩
في زمننا هذا، نجد أن ضغطة زر من جندي إسرائيلي حاقد قادرة على أن تمحو هذه الشواهد التاريخية بأكملها. فالمعابد الكنعانية، والهياكل الرومانية، والحصون الصليبية، والمساجد الإسلامية، التي نجت من الغزاة والكوارث الطبيعية، أصبحت اليوم تحت رحمة الصواريخ الموجهة والطائرات الحربية التي لا تميز بين الحجر والبشر.
هذا التدمير الممنهج للتراث لا يمحو فقط معلمًا ماديًا، بل يمحو الذاكرة الحية للشعوب والرموز التي تعبر عن ثقافتها وأصالتها. ويعني استهداف هذه المواقع والبيوت وموجوداتها ولوحاتها وفنها المعماري خسارة فادحة لا يمكن تعويضها، فهي تمثل جزءًا لا يتجزأ من الهوية اللبنانية.
التدمير الذي يلحق بالمنازل التراثية يساهم في محو ذاكرة المكان ويقطع أواصر الروابط بين الناس وتراثهم، كما يهدد بتدمير النسيج الاجتماعي للبلدات، خاصة في ظل ما لهذه المباني من قدرة على استقطاب الزوار والباحثين وعشاق التراث من مختلف أنحاء العالم، مما يجعلها جزءًا من القوة الاقتصادية والسياحية للمجتمعات المحلية.
القصف بالقرب من القلاع والمواقع التاريخية
تعرض القلاع والمواقع التاريخية لهجمات صاروخية قريبة يضعها تحت تهديد وخطر شديد، ويؤثر سلبًا على مواقع قديمة مدرجة على لائحة التراث العالمي. هذه المواقع لا تقتصر على كونها معالم محلية، بل هي ممتلكات إنسانية عابرة للحدود، ورموز للتراث الثقافي العالمي.
الاستهداف الذي تتعرض له القلاع كقلعة صور أو الشقيف في الجنوب أو قلعة بعلبك، أو الحصون الأخرى المنتشرة في المناطق الجبلية اللبنانية، لا يدمر مجرد أعمدة أو أحجار، بل يمس الهوية الثقافية للشعب اللبناني والعالم.
الحفاظ على التراث ومقاومة التدمير
في وجه هذه المخاطر، تبرز الحاجة الملحة لرفع الوعي بأهمية حماية التراث، ليس فقط لدى اللبنانيين، بل لدى المجتمع الدولي ككل. على الجهات المعنية، من منظمات دولية وهيئات تراثية مثل اليونسكو، أن تدعم لبنان في حمايته لتراثه وتوفير دعم فعال لإعادة ترميم ما يمكن إنقاذه.
كما يتطلب الأمر دعوة المجتمع الدولي إلى تكثيف الجهود لضمان حماية الممتلكات الثقافية والتراثية.
العدوان على هذه المواقع ليس عدوانًا على الأرض فحسب، بل هو استهداف لأعماق الروح الحضارية للبنان وهويته الإنسانية المتجذرة.
لذا، فإن الحفاظ على هذه المواقع ليس واجبًا وطنيًا فقط، بل مسؤولية إنسانية عالمية للدفاع عن موروثنا الثقافي وتراثنا المشترك، وتأكيد على رفضنا لتشويه ذاكرتنا وتاريخنا في وجه الحقد الأعمى.
نداء للدفاع عن الهوية والموروث
التدمير المتعمد للبنية التراثية في لبنان هو تهديد لاستمرار تاريخه الحي وتقاليده العريقة. لذلك، يتوجب على العالم الالتزام بواجب الدفاع عن هذه القرى والمنازل والقلاع، والمساعدة في استعادة كل ما أمكن منها بعد كل ضرر. كما يتوجب على اللبنانيين الالتفاف حول تراثهم وحمايته، بما يعكس أصالة هذا الشعب ورغبته في الحفاظ على تاريخه العريق وموروثه الحضاري في وجه أي تهديدات.