بقلم رياض عيسى
@issariad
ما يجري اليوم في لبنان من تصاعد الاتهامات والتخوين بين مختلف الأطياف السياسية والمجتمعية يشكل تهديدًا خطيرًا للنسيج الوطني والتعايش السلمي بين اللبنانيين. لقد أضحت بعض الفئات تستخدم خطاب التخوين والإقصاء ضد من يخالفها الرأي، رغم أن العديد من المواطنين استقبلوا العائلات المهجرة وقدموا لها الدعم في وقت المحن، واستضافوهم بكرم وحفاوة دون منة، إلا أن هذا التفاني يُقابل أحيانًا بالنكران والتجريح والتهديد.
ففي ظل هذه الظروف، نجد أن البعض يتوعد ويتوعد الآخرين لمجرد الاختلاف في وجهات النظر، مما يولد حالة من القلق والانقسام بين المواطنين ويقوّض فرص الحوار البناء. إن خطاب التخوين لا يخدم سوى مصلحة من يسعى لزعزعة استقرار لبنان وتفكيك روابطه الاجتماعية، ويتجاوز بذلك مفهوم الدولة الواحدة ويهدد استقلاليتها.
لذلك علينا جميعًا، كمواطنين ومجتمع لبناني متنوع، العودة إلى المؤسسات الرسمية والشرعية في الدولة فوراً. لبنان دولة مؤسسات وقانون، وينبغي أن يكون الاحتكام للدستور هو أساس الحكم، لا منطق التخوين والاستقواء بالسلاح أو النفوذ. فالدستور اللبناني يمثل الحاضنة الجامعة لجميع مكوناته، وهو الضمانة لحماية حقوق الجميع وصيانة استقرار الوطن بعيدًا عن التجاذبات الطائفية والسياسية.
لبنان يحتاج إلى وعي جماعي يؤمن بوحدة المجتمع وبناء الثقة في مؤسسات الدولة، فلا ينبغي السماح لأي جهة بأن تهدم هذه الثقة، بل على الجميع أن يلتزم بالعمل وفق القوانين المرعية. ومن هذا المنطلق، يُفترض أن تكون العودة إلى الدولة ومؤسساتها القانونية هي الطريق الوحيد لحل كل خلاف وتحقيق العدالة والمساواة.
إن خطر العودة إلى الحرب الأهلية بين أبناء الشعب اللبناني ليس بعيدًا إذا استمر البعض في إشعال الفتنة وتعزيز الانقسامات من خلال خطاب الكراهية ولغة التخوين والتهديد والإستعلاء. فالحرب الأهلية التي مر بها لبنان تركت جراحًا لم تندمل بعد، وأثقلت الذاكرة الجماعية بتداعيات ما زالت تنعكس حتى اليوم على الحياة اليومية، والاقتصاد، والبنية الاجتماعية. لبنان لا يحتمل حربًا أخرى، فالأخوة في الوطن يجب أن يظلوا متحدين في مواجهة المصاعب والظروف الخارجية التي تهدد استقراره.
هذا النداء لكل مواطن لبناني يدعو إلى إعادة الثقة بالدولة، والانخراط الفعّال في العمل المدني والسياسي ضمن الأطر القانونية، لأن عزة لبنان وكرامته لا تتحقق إلا بتكاتف أبنائه وعودتهم إلى الحوار والانفتاح وقبول التعددية
إن تحصين السلم الأهلي لا يمكن أن يتحقق إلا بالابتعاد عن خطاب الكراهية، ورفض لغة التخوين، وتجنب الاستقواء بالسلاح. وحدة المجتمع هي الحصن الحقيقي للبنان، وتعزيز قيم الحوار والتعايش هو ما يساهم في بناء دولة عادلة وقوية. في هذه اللحظات المصيرية، علينا جميعًا أن نرتقي فوق الانقسامات ونرفض محاولات الفتنة؛ فالسلم الأهلي لا يحميه سوى تعاون أبناء الوطن والتزامهم المشترك بحماية هذا الوطن.