رسالة عاجلة جدًّا إلى “حزب الله” واللبنانيّين و… “أوادم العالم”

بقلم عقل العويط

ميزان القوى بين إسرائيل و”حزب الله” طابش.
ليس ثمّة عارٌ ولا هزيمةٌ في التنازل الفوريّ وجهارًا لصالح الدولة ومؤسّساتها.
الترفّع شرف. الشماتة عيب. حقارة. وقلة حيلة.
الناقورة، عيتا الشعب، حولا، طير حرفا، ميس الجبل، مارون الراس، عيترون، بليدا، الضهيرة، مروحين، بنت جبيل، الخيام، مرجعيون، يارون، يارين، كفركلا، الطيبة، مركبا، ربّ ثلاثين، العديسة، شبعا، دير ميماس، شمع، صور، النبطيّة، الجنوب كلّه، البقاع، بعلبك، الهرمل، شمسطار، بريتال، و… بيروت، هي أمّهاتنا، وفلذات أكبادنا، وملك لبنان كلّه.
يجب احتضان هذا الركام الوطنيّ القلبيّ بنياطه وشرايينه، وبالقوّة الفلسفيّة، وبالإرادة، وبسلطة الوعي، والعقلنة، ليس من أجل الشيعة فحسب بل من أجل الكرامة اللبنانيّة والإنسانيّة مطلقًا.
ليس الوقت وقت دفن الرؤوس في الرمال. الاعتراف بالواقع هو اعترافٌ بوقائع الدهر وحوادثه. المكابرة انتحار. الإمعان في المكابرة جريمةٌ وخيانة.
الإقرار بأنّ الهمجيّة هي سيّدة العالم، حقيقة دامغة في فلسطين ولبنان.
الشيعة ومجمل اللبنانيّين يجب الّا يُترَكوا يكونون كبش محرقة بعد الآن.
إنقاذ مَن بقي من اللبنانيّين ولبنان هو الضرورة المطلقة.
إيران وحشٌ كإسرائيل. كالولايات المتّحدة. كروسيا. كالصين. عالمٌ نيرونيٌّ عدميّ من المصالح والصفقات الدنيئة. على حساب الإنسان والحقّ والحياة والحرّيّة.
يجب تحرير البيئة الشيعيّة الحبيبة (و”حزب الله” طبعًا) من إيران. هذه مهمّة “الحزب” أوّلًا، ورئيس حركة “أمل”، واللبنانيّين، و”أوادم العالم” جميعًا.
***
وبعد،
هل حقًّا كلّ شيء يدعو في لبنان إلى اليأس؟ نعم، إذا اكتفينا برؤية المشهد الحربيّ الراهن، بمفاعيله “الميدانيّة” والجيوسياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة على السواء.
لكنْ، لا أيضًا. لأنّي أعتقد، بالعقلانيّة الواقعيّة، أنّ الفكرة اللبنانيّة ستظلّ قابلةً للتجسّد، والعيش، والاستقرار، والديمومة، من خلال وحدة التنوّع الدستوريّ القانونيّ، وبالحرّيّة، ضمن العالم العربيّ. أقول هذا، على الرغم من كلّ ما عاشته الفكرة اللبنانيّة ماضيًا، وتعانيه حاضرًا، وستظلّ تكابده خلال المرحلة المنظورة المقبلة.
هذه الحرب الهمجيّة الضارية التي تشنّها إسرائيل في فلسطين ولبنان، تؤكّد مرّةً أخرى، أنّ خيار التدمير والقتل والإبادة هو أهون الحلول، لكنّه لا ينتج حلولًا، لا في فلسطين، ولا أيضًا في لبنان.
أكتب هذا المقال، واعيًا “مستحيلات” المسألة اللبنانيّة و”ممكناتها”، وهي – معًا – شرطٌ واجب الوجود للفكرة اللبنانيّة، ولتطبيقاتها الشائكة والشائقة في الآن نفسه.
هذا الشرط المتناقض ظاهرًا وشكلًا، هو سرّ الفكرة. لكنّ سرّ تجسّد هذه الفكرة كامنٌ فيها.
كلّما حاول بعضهم انتهاك هذا التكوين، وقعنا في الغلطة ذاتها. النتيجة المأسويّة هي إيّاها ماضيًا، وماثلةٌ أمامنا، راهنًا، وتُرى بالعقل، وبالعين المجرّدة. أكان ذلك على المستوى الداخليّ أم على المستوى الإقليميّ. سيّان.
ما العمل؟
إذا أريدَ حقًّا التوصّل إلى حلٍّ حقيقيّ وجذريّ للمسألة اللبنانيّة، فالمهمّ أنْ يتواضع الجميع، في الداخل والخارج، وأنّ يتهيّبوا خصوصيّة هذه الفكرة – المسألة، لأنّها استثناءٌ شرقيّ مشرقيّ. بل المهمّ أنْ يعرفها الجميع جيّدًا، لاستنباط العناصر والأساليب التي تؤهّلها للتجسّد والعيش والاستقرار والديمومة.
قد لا يكون ثمّة مفرّ من الدولة القائمة على وحدة التنوّع الدستوريّ القانونيّ. وفي هذه الدولة، قد لا يكون الحلّ بتطبيق الطائفيّة. لكنّه لن يكون بإلغاء هذه الطائفيّة، لاستحالة الفصل بين الطائفيّة والطوائف.
وفي هذه الدولة، إذا أريد فعلًا الاتّعاظ – هذه المرّة – من الويلات المرئيّة واللّامرئيّة، فليس أمام اللبنانيّين سوى أنْ يتطلّبوا في الداخل تصحيحًا وتطويرًا وتنفيذًا دستوريًّا مدنيًّا سلسًا مرنًا متنوّعًا وديناميكيًّا، يمكّنهم من العيش وفق تنوّعاتهم، ضمن حدود دولة لبنان التاريخيّة المعترف بها دوليًّا، تحت عين الأمم المتّحدة ويدها – مباشرةً -، وفي رعايتها الدائمة، وبإجماع أعضاء مجلس الأمن فيها.
لا يكون الحلّ بسلامٍ يُفرَض على لبنان مع إسرائيل. لكنّه ليس بإبقاء حروبنا مفتوحةً معها (اتّفاق الهدنة حلًّا قائمًا). في الحالتين، سلاح “حزب الله” لم يعد قابلًا للعيش في الدولة.
باطلٌ كلّ ما يُتَوَصّل إليه في لبنان، من طريق الانتهاز والغدر والغلبة والقوّة والاستقواء بالخارج وتقلّبات الظروف والأحوال.
الوقت لا يسمح بالزعبرة. عبثًا كلّ تلاعبٍ وتذاكٍ ونفاقٍ ومكرٍ وتدوير زوايا، على طريقة المفاوضات الجارية حاليًّا، لأنّه سيوقع في الغلط التاريخيّ المتكرّر نفسه، الداخليّ والإقليميّ على السواء.
الآن، هو وقت الرجوع – بكِبَر – إلى دولة القانون، دولة التنوّع الدستوريّ القانونيّ. كيف؟ باحتضان لبنان الفكرة – المسألة، ولملمة الدم والخراب والألم والخوف والهجس، بالعقلانيّة الواقعيّة والتواضع والتهيّب.
لا حلول انتحاريّة قابلة للعيش في لبنان.
“حزب الله” يجب أنْ يتخلّص من سلاحه ومن الانصياع للأمر الإيرانيّ، بالعودة الكريمة إلى الدولة اللبنانيّة، حزبًا لبنانيًّا قانونيًّا مرخّصًا له.
سوى ذلك، فناءٌ مستتبٌّ. وعدمٌ يشمل الجميع.

اخترنا لك