لاريجاني : تفتيشي في المطار نكتة مبتذلة

في منتهى الجدّ

كتب أحمد عياش

ما قاله علي لاريجاني كبير مستشاري المرشد الإيراني علي خامنئي حول نتائج زيارته الأخيرة للبنان كان جديّاً. وما اعتبره اللبنانيون إنجازاً أمنياً غير مسبوق حول تفتيش حقائب المسؤول الإيراني في مطار رفيق الحريري الدولي، وصفه لاريجاني بأنّّه من “النكات المبتذلة”!

وردت عبارة “النكات المبتذلة” في سياق مقابلة مطوّلة أجراها الموقع الإعلامي لخامنئي “KHAMENEI.IR” مع مستشار المرشد. فقد وجّه الموقع للمستشار السؤال الآتي: “من القضايا التي أثيرت خلال زيارتكم من قبل وسائل الإعلام الصهيونية وفروعها وغيرها، أنه عند دخولكم إلى الأراضي اللبنانية، تعرّضتم أنتم وفريقكم المرافق لتفتيش وتفتيش جدييّن. نريد منك أيضاً أن تشرح ما إذا كان هذا صحيحاً أم لا؟”، فأجاب لاريجاني:”: أعتقد أن (تفتيشي) هو من بعض هذه النكات المبتذلة التي كانت خلال هذه الرحلة. عندما كنا في سوريا، على سبيل المثال، من أجل تغيير الموضوع وتغيير الأجواء، قصفوا منطقة قريبة من المكان الذي كنا نتحدث فيه. أو على سبيل المثال في لبنان، قبل أن نأتي، قصفوا بالقرب من المطار. لكن الآن، ما هي الرسالة التي أرادوا توجيهها في هذا الشأن؟ قالوا: “لقد وجّهنا رسالتنا”. رسالتهم (الإسرائيليون) أرادت أن تقول إن لديهم القدرة على ضرب أي مكان في سماء لبنان…لم يؤثّر ذلك علينا”.

وتابع لاريجاني الكلام حول تفتيشه في مطار بيروت ، قال :”هذه واحدة من تلك الأكاذيب الغريبة، أي أنها تتناقض تماماً مع الحقيقة: عندما نزلنا من الطائرة، كان سفيرنا على متن الطائرة، وكان بعض أعضاء البرلمان هناك، من “حزب الله”. وكان آخرون هناك. كانت السيارة هناك، فركبنا السيارة وجئنا. أي أننا لم ندخل القاعة حتى لا يرانا أحد. نظراً لأنّ الوقت تأخر عن الاجتماع …”.

هل من جهة تستطيع ان توضح حقيقة ما جرى مع لاريجاني والوفد المرافق في المطار؟ اتى الجواب في 16 الجاري، أي في اليوم التالي لواقعة المطار. ففي تقرير أوردته وسيلة إعلامية تابعة لـ”حزب الله” حمل العنوان الآتي: “تفتيش مرافقي لاريجاني: تنفيذاً للإملاءات الأميركية في المطار”.

وجاء في التقرير: “وقعَ إشكال في مطار بيروت بينَ جهاز أمن المطار وعناصر المواكبة المُرافقين لكبير مستشاري المرشد الإيراني علي لاريجاني. وفي التفاصيل، أن العناصر الموفدين من السفارة الإيرانية لمرافقة لاريجاني، تبلّغوا فورَ وصولهم إلى المطار بأنه سيجري تفتيش أغراضهم فرفضوا ذلك بحكم الحصانة الدبلوماسية التي يتمتعون بها، ما أثار إشكالاً تدخّل على إثره رئيس جهاز أمن المطار العميد فادي الكفوري الذي حسم الأمر استناداً إلى “تعليمات صارمة”. بتفتيش كل الوفود الدبلوماسية كما ادّعى. وعلم أن «العناصر كانت بحوزتها أربع حقائب وبعض الهدايا التي يحملها أي وفد ضمن الخطوات البروتوكولية، وقد وُضِعت في السيارات قبل أن يصرّ جهاز الأمن على إنزالها وتفتيشها كشرط للسماح للعناصر بالدخول إلى صالون الشرف واصطحاب لاريجاني من المطار، حيث كان في استقباله الدكتور خليل حمدان ممثلاً الرئيس نبيه بري على رأس وفد ضمّ طلال حاطوم وعلي حايك والنائب علي المقداد ممثلاً قيادة “حزب الله”.

ومضى التقرير الى القول: “هذا المشهد يجعل السؤال عن واقع المطار أمراً لا بدّ منه. وإذا كانَ لا جِدال حول حق جهاز أمن المطار في تفتيش كل ما يصِل إلى المطار، لكن صارَ واضحاً أن هذا الحق يقتصر على الوفود الآتية من إيران من ضمن لعبة السياسة القائمة وتسليم أمر المطار للقرار الأميركي. ولم يتعرّض أي وفد عربي ولا غربي لمثل هذا الموقف. إذ لا يجرؤ أي جهاز في المطار أساساً على التعرض لوفود عربية وغربية وأميركية كما فعل مع عناصر المواكبة الإيرانية”.

وقال التقرير :”بطبيعة الحال، لا يُمكن عزل هذه الواقعة عن سياق الحرب الإسرائيلية على لبنان التي استعجل البعض نتائجها وحسمها لصالح أعداء “حزب الله”. ان الإجراءات الأخرى التي تُتخذ إما بقرار من رئاسة الحكومة التي تمنع هبوط أي طائرة آتية من العراق أو إيران فقط بسبب هويتهما الطائفية، وإما بإيعاز من قائد الجيش العماد جوزف عون الذي أمر بتفتيش عناصر الحماية وفريق الأمن المكلّف بحماية منزل السفير الإيراني في منطقة اليرزة، داخل المربع الأمني الذي استحدثه الجيش حديثاً، بالقرب من منزل قائد الجيش”.

وخلص تقرير الوسلة الإعلامية التابعة لـ”الحزب” الى القول: “هذا السلوك الذي يستهدف دولة صديقة للبنان، يتحمّل مسؤوليته بالدرجة الأولى وزير الداخلية بسام المولوي الذي يتبع له جهاز أمن المطار. ولا يمكن إعفاء رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من المسؤولية، كون التعليمات الخاصة بأداء الأجهزة الأمنية تخرج من السراي الحكومي. ولا يُمكن فهم ما حصل، سوى رسالة للأميركيين بأن لبنان يلتزم الأوامر الأميركية بالتضييق على كل ما يخص “حزب الله”، لكن الأخطر في ذلك هو أن ما جرى هو نموذج عن القرار 1701 كما يريده الأميركي والإسرائيلي براً وبحراً وجواً، من خلال فرض قيود على حركة المطار والتحكم بالإجراءات الأمنية، وهو نموذج عن السيادة الجديدة، التي لا تُطبّق قواعدها سوى على إيران دون غيرها من دول العالم”.

ما يستفاد أولا من التقرير المطوّل ، والذي هناك ضرورة لإعادة نشره، هو ان توصيف لاريجاني أمر تفتيش موكبه في المطار بـ”النكتة المبتذلة ” هو نكتة في حد ذاتها”. فقد قال الأخير نقيض ما قالته وسيلة إعلامية تابعة لـ”حزب الله”. فهل باتت وسيلة إعلامية تابعة للأخير من ضمن “وسائل الإعلام الصهيونية وفروعها وغيرها”، كما ورد حرفيا في السؤال الذي طرحه موقع المرشد الإيراني على لاريجاني؟

لم تمض أربعة أيام على واقعة تفتيش لاريجاني حتى وصل الوسيط الأميركي آموس هوكستين الى لبنان. ففي 19 الجاري حطّت طائرة الموفد الاميركي في المطار. وأخضعت حقيبة هوكستين للتفتيش الدقيق عملاً بالاجراءات المتبعة في المطار. وأفيد بأن مبعوث الرئيس الأميركي قام بنفسه بوضع حقيبته على جهاز (السكانر).

ما هي العبرة في كل الضجة التي أثارها لاريجاني ومحور الممانعة من بحر قزوين الى البحر المتوسط؟ اعتاد النظام الإيراني منذ تأسيسه عام 1979 على يد الإمام الخميني ان يتعامل مع الدول التي يعتبرها تدور في فلكه، وفي مقدمها لبنان، مكاناً ملحقاً بإيران. وأتت واقعة تفتيش لاريجاني لتقول أنّ زمن استتباع لبنان لايران قد ولّى.

اخترنا لك