رصد بوابة بيروت
في الساعات الأخيرة التي سبقت انهيار النظام السوري السابق ورئيسه بشار الأسد، عُقدت اجتماعات علنية وسرية لمناقشة مرحلة ما بعد الأسد. من أبرز هذه الاجتماعات كان لقاء سريّاً في مدينة غازي عنتاب التركية، جمع بين أجهزة استخبارات غربية وعربية، وذلك قبل اجتماع وزراء خارجية قطر وتركيا وإيران وروسيا في العاصمة القطرية الدوحة، للتحضير لما عُرف بـ”السقوط الكبير”.
مصدر إقليمي مطّلع كشف عن عقد اجتماع في غازي عنتاب يوم الخميس الماضي، حيث تواجدت غرفة العمليات الأساسية لفصائل المعارضة.
الاجتماع ضم شخصيات بارزة من بينها رئيس جهاز الاستخبارات التركية، إبراهيم كالن، ورئيس جهاز أمن الدولة القطري، خلفان الكعبي، ورئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وليام بيرنز، إلى جانب ممثلين عن أجهزة استخبارات خليجية وفصائل المعارضة المسلحة. ناقش المجتمعون عدداً من النقاط، أهمها:
ضمان انتقال سلمي للسلطة في سوريا مع الحفاظ على تماسك مؤسسات الدولة لتسهيل العملية السياسية.
منع تحول سوريا إلى ملاذ للتطرف والإرهاب بعد سقوط الأسد.
التأكيد على مدنية الدولة، مع العمل على تهيئة الظروف لعودة اللاجئين تدريجياً مع استقرار الأمن.
تراجع الدعم الروسي والإيراني للأسد
المعطيات القادمة من موسكو وطهران أظهرت تراجع الاهتمام ببقاء الأسد، حيث بات الدفاع عنه مكلفاً مالياً وعسكرياً. إيران، التي تواجه أزمة اقتصادية خانقة وغير مسبوقة، لم تعد قادرة على دعم النظام كما في السابق، خاصة مع استهداف بنيتها العسكرية وأذرعها الإقليمية، مثل “حزب الله”، الذي تعرض لضربات متتالية. كما أن عبور المقاتلين والعتاد إلى سوريا بات أكثر صعوبة بسبب الرقابة المشددة من إسرائيل والولايات المتحدة.
أما روسيا، فقد فضّلت التركيز على حربها في أوكرانيا، وبدأت تميل نحو تسوية سياسية تُنهي تورطها في المستنقع السوري، خاصة بعد وصول إدارة ترامب الجديدة التي تفرض واقعاً سياسياً مختلفاً.
الموقف الإيراني في اجتماعات الدوحة
خلال اجتماع الدوحة، أبلغ وزير الخارجية الإيراني عباس عراقتشي أن الأولوية الإيرانية ليست بقاء الأسد، بل حماية الأقلية الشيعية والعلوية والمقامات الدينية. هذا دفع الجانب التركي لفتح قناة تواصل مع “هيئة تحرير الشام”، بقيادة أحمد الشرع (الجولاني سابقاً)، لضمان أمن هذه الأقلّيات والمقامات.
رسائل أميركية صارمة
من جهتها، أرسلت الولايات المتحدة تحذيرات جادة عبر التحالف الدولي، مؤكدةً أنها ستستهدف أي تحركات عسكرية قادمة من العراق إلى سوريا. كما قامت طائرة أميركية استراتيجية من طراز B-52 بالتحليق فوق البادية السورية، في رسالة واضحة لكل الأطراف.
تحولات في المواقف الدولية
روسيا بدورها أبلغت الأسد بضرورة اتخاذ خطوات سياسية أو الاستعداد للخروج من السلطة. كما زار مستشار المرشد الإيراني، علي لاريجاني، دمشق، وأبلغ الأسد استعداد إيران لاستقباله كلاجئ، في حال قرر مغادرة السلطة.
كل هذه التحولات تعكس استعداد الأطراف المعنية للتكيف مع مرحلة ما بعد الأسد، خاصةً مع اقتراب استلام إدارة ترامب زمام الأمور، وهو ما يُفسر تراجع إيران عن دعم الأسد و”حزب الله”، والعمل على إعادة ترتيب حساباتها الإقليمية.