بقلم بلال مهدي
لقد أُسقط علينا “المحور” بإستراتيجياته الخبيثة التي تمثلت في “السمع والطاعة والصبر والبصيرة”. تُركنا لنواجه مصيرنا وحيدين في ساحات الموت، حيث أصبحنا وقودًا لمعارك لا نعلم لمن نهايتها أو لصالح من تُخاض. لم يخبرونا أن ضريبة هذه الاستراتيجيات ستُدفع من دمائنا وأرواحنا، ولا أن وحدتنا ستُمزق، وتاريخنا سيُزور، ومستقبلنا سيُباع على مذابح المصالح الإقليمية والدولية.
لكننا اليوم على مفترق طرق تاريخي، نواجه حقيقة مرة، أن ما سُمي مقاومة قد تحول إلى أداة تخدم أجندات لا تمت بصلة إلى هموم الناس أو طموحاتهم. علينا أن نرفض خطاب التخوين الذي يفرقنا ويزرع بذور الكراهية بيننا. فبدلًا من أن نتصارع على من يملك “الحق”، يجب أن نتفق على أن الحق الأكبر هو بناء مستقبل بلا دماء، بلا خيانات، بلا تبعية، وبلا استبداد.
المقاومة الحقيقية ليست في أن تسلم مصيرك الى “متأيرن” يُقرر عنك أين تموت وكيف تعيش، بل في أن تكون قادرًا على صياغة حريتك بيديك. أن تبني دولتك بلا خوف أو ضغينة، أن تحقق العدالة لكل المظلومين لا أن تستغلهم تحت شعارات واهية.
مستقبلنا يجب أن يبدأ من الاعتراف بأننا ارتكبنا جميعًا أخطاء، وأن الماضي لا يجب أن يكون سجنًا يأسرنا. من يريد بناء مقاومة حقيقية يجب أن يخلع عباءة الطاعة العمياء، ويؤسس لحوار داخلي جريء يهدف إلى بناء وطن لا تتحكم فيه الوصايات ولا تتآمر عليه المصالح الخارجية.
فلنخرج من ثقافة “نحن وأنتم”، ولنرفض استخدام لغة الدم والتخوين التي تستهلكنا. لنعمل على بناء هوية وطنية جامعة، تسندها دولة قانون، لا دولة محاور. وطن نرسم معالمه بأنفسنا، يكون محصنًا ضد كل أشكال الهيمنة، ويؤمن لجميع أبنائه حياة كريمة حرة ومستقلة.
قد يبدو هذا الحلم بعيدًا، لكنه ليس مستحيلًا. كل تغيير كبير يبدأ بخطوة صغيرة وجريئة. علينا أن نؤمن بأن دماء الأجيال القادمة ليست رخيصة لتُهدر في معارك الآخرين، وأن مستقبلنا لا يُبنى على أوهام “النصر” الزائف بل على قيم العدالة، الحرية، والكرامة للجميع.