الحياد أو وعي النكبة

بقلم د. علي خليفة
@AliKhalife5

قبل أن يصبح الاتحاد السويسري حياديّاً، كان السويسريون مرتزقة في أرجاء أوروبا. مقاتلون أشدّاء لم يتركوا حرباً إلا وانغمسوا فيها وخاضوا رحاها فوقعوا على الموت أو وقع الموت عليهم. ولا يزال المحاربون السويسريون حرساً على أبواب الفاتيكان إلى اليوم، في استعادة رمزية لتاريخ الحروب التي جرّت السويسريين إلى خارج حدودهم. وعلى أرض إيطاليا، كانت الفاتورة الأكثر كلفة، نتيجة صراع ملوك أوروبا ووقوف السويسريين بوجه الملك فرنسوا الأول الذي اصطاد منهم الآلاف بسلاح المدفعية في موقعة مارينيانو.

كان الملك الفرنسي قد ضاق ذرعاً بالمحاربين السويسريين الذين يستخدمهم خصومه أذرعةً عسكرية، ففرض عليهم الحياد فرضاً. خسارتهم الداهمة جعلتهم يرتدّون إلى داخل حدود مدنهم. فكان الحياد المفروض خارجياً نتيجة الهزيمة فرصةً في الداخل للاهتداء إلى منظومة مستدامة في الدفاع والأمن، حقّقت الازدهار للاتحاد السويسري وجنّبته ويلات الحروب اللاحقة.

لنستبدل الأسماء والمواقع. الشيعة المنضوون في تنظيمات عسكرية كـ “حزب الله” في لبنان: مَن وماذا يقاتلون ولماذا يُقتلون؟ الآلاف منهم قضوا في سوريا دفاعاً عن أبشع نظام في تاريخ المنطقة وجغرافيتها، ثم قضى الآلاف غيرهم لمساندة “حماس”.

وما ان سقط نظام الأسد حتى سارع الناطقون باسم “حماس” بالتهليل لسقوطه. فماذا يبرّر قتل الآلاف إذن، هنا وهناك؟ جنود الوليّ الفقيه الذين يموتون لا لشيء أو لأي شيء هم شيعة لبنان الذي ينبغي أن يعودوا إليه، بعد خسارتهم القاصمة في صراع المحاور والنفوذ في المنطقة.

كفُّ يد “حزب الله” كتنظيم عسكري عابر للحدود السياسية للدول يعيث بالأمن القومي للبلدان العربية ويصل خرائط النفوذ لإيران إلى ساحل المتوسط ويرعد فوق قواعد حلف شمال الأطلسي في قبرص… أشبه بفرض الحياد من الخارج على لبنان. وما حصل لا يمكن الالتفاف عليه ولا تعطيله. ترتيبات المشهد المقبل في المنطقة أطبقت على مشروع ولاية الفقيه المتمدّدة وأنهت دور “حزب الله” كذراع عسكري. وليكن الحياد المفروض خارجياً نتيجة الهزيمة فرصةً يجب تلقّفها في الداخل عن طريق وعي النكبة التي حلّت بالشيعة.

ومنهم آلاف القتلى والمشرّدين والمعاقين الجدد الذين فقدوا أطرافهم أو أتلفت أعضاؤهم وهم شاهدون على عبثية الأحداث، فلا المهدي تحرّك، ولا المسدَّد صدق، ولا الوليّ وفا ولا الفرقة نجت وليس من يحمي ويبني. فهل يكون كل ذلك مخاضاً محتوماً لرفض عسكرة الشيعة جنود ولاية الفقيه، فيعلنوا في حدود دولهم الوطنية ولاءهم لها ويسلّموا بوظائف الدفاع والأمن للدولة؟

اخترنا لك