#الرئيس

بقلم عقل العويط

أتأمّل أحوال المنطقة العربيّة، فيغمرني التهيّب. من فلسطين إلى لبنان فسوريا فالعراق وهلمّ، كم يجب أنْ يتهيّب المرء قبل أنْ ينغمس في الهوس وإطلاق المواقف وتبذير الآراء والارتماء في أحضان الأوهام والترّهات والغرائز والأحقاد والثارات.

يسعد المرءَ أنْ لا يكون مريضًا بالسلطة، بأطرافها، بأحزابها، بعشائرها، بمافياتها، وعصاباتها. يسعده أيضًا أنْ لا يكون مريضًا بطلبها، وتطلّبها، والطموح إليها، ولو جاءت إليه صاغرةً متوسّلة.

كانت سياسيّةً، مجتمعيّةً، ثقافيّةً، أم سواها. شيءٌ كهذا، من شأنه أنْ يمنح المرء مناعةً داخليّة، تسعفه في الرؤية الجيّدة، وفي تحمّل أوزار ما نحن فيه من مآسٍ وتحدّيات ومشقّات، وفي الترفّع والتحرّر من الشروط والشروط المضادّة.

وأسأل كيف يمكن، بعد كلّ ما جرى في فلسطين ولبنان وسوريا، وهو لا يزال يجري، أنْ لا يتهيّب المرء، شخصًا فردًا أم حزبًا أم جماعة. إنّي منهمٌّ بالمنطقة العربيّة، بشرقها الأدنى، بالشرق الأوسط، ومنهمٌّ للغاية بلبنان، بحديقتي هذه، المشلّعة، والموجوعة، التي يعتريها ألف مرضٍ.

أجدني منعمًا النظر، متمعّنًا، متفحّصًا، لأرى مَن بين المعنيّين بالشأن هذا، يشغله تهيّبٌ كالذي يفترض أنْ يكون سمةً مطلقة، حيال كيفيّة إدارة لبنان، وإعادة “تأسيسه”، وإنتاج حياته السياسيّة.

هل صار التهيّب مطلبًا مستحيلًا – مثلًا – حيال مسألة الاستحقاق الرئاسيّ، وأنتَ العارف أنّ هؤلاء الأحزاب، هؤلاء الأطراف، هؤلاء النوّاب، هم الذين يفترض بهم التلفّع برداء التهيّب لانتخاب رئيس؟!

وتقول في نفسكَ: يا لهول ما نحن فيه من “ناخبين” غير متهيّبين.

نعم، بات التهيّب مطلبًا مستحيلًا. وهو يزداد استحالةً، لأنّ التهيّب إيّاه لا يشمل فحسب تطبيق الدستور بحذافيره، وسيادة الدولة على ذاتها وأراضيها، وحماية حدودها، وحصر السلاح في يدها، جنوب الليطاني وشماله، واستعادة الأموال المنهوبة، والزجّ بالسرّاق والفاسدين وناهبي خيرات لبنان من سياسيّيها ورجال مالها وشأنها العامّ في السجون أو رفعهم على أعواد المشانق، وتطبيق الـ1701، والـ1595، ومجمل القرارات الدوليّة، واتّفاق الهدنة، بل يشمل خصوصًا أنْ يتهيّب المسترئسون والمرشّحون المضمرون والعلنيّون، استسهال التنطّح لطلب الرئاسة. أن يتهيّبوا. فقط أن يتهيّبوا.

مَن من هؤلاء يتّصف بـ”فلسفة” أنْ يكون فوق الأحزاب والطوائف، ويكون رئيس الدولة، فيجيئوا إليه لا هو يذهب إليهم، ويقصدوه ويختاروه، فلا يتوسّل رضاهم، ويجسّد الوجدان العامّ، ويكون عاقلًا، حكيمًا، رؤيويًّا، زاهدًا، مترفّعًا، نظيفًا، ورجل دولة. ويكون الرئيس.

عارٌ أنْ لا تبحثوا بين الموارنة عن رئيسٍ يكون هذا الرئيس، وأنْ لا تعثروا عليه.

مسألة لبنان والرئاسة والسلطة والحكم والإدارة محض عقلانيّة. ليست مشكلة طبقةٍ سياسيّة فاسدةٍ وعقيمةٍ فحسب، بأحزابها وطوائفها. إنّها مشكلة ناس. أفراد وجماعات. بعضنا يسمّي الناس والجماعات “شعوبًا”.

يقول ماريو فارغاس يوسا في “حفلة التيس”: “هكذا هي السياسة. أنْ تشقّ دربكَ بين الجثث”.

مطلبي أنْ لا يكون الرئيس المقبل جثّةً تشقّ درب الرئاسة بين الجثث.

أهو مطلب “مستحيل”، أنْ يتهيّب الناخبون وطالب الرئاسة فلا يكون وإيّاهم محض جثثٍ بين الجثث؟!

اخترنا لك