الرقصة المشمسة

بقلم عقل العويط

لقد سقط حكم الأسد في دمشق. هذا ليس حدثًا عابرًا. خمسون عامًا ونيّف من المقابر الجماعيّة، يجب ألّا يستخفّ أحدٌ بانتهاء مفاعيلها. أمام الجميع في هذين الشرقَين الأدنى والأوسط، تحدّياتٌ ومشقّاتٌ وأهوال. نعم، وبالتأكيد. في مقدّمها أحوال المصائر والخرائط ومآلاتها. وستجد الأذرع المتطاولة من مضيقَي باب المندب وهرمز إلى شواطئ بيروت والضواحي، مرورًا بدمشق وبغداد، ستجد نفسها ترتدّ على نفسها وأعقابها، وإنْ على مضضٍ، ومضطرّةً ومهيضة.

ولا بدّ من أخذ العبرة من هذا الحدث، والتفاعل مع نتائجه الظاهرة والباطنة، الراهنة والمستقبليّة، بما يمليه حسن التدبير. كلّ فعلٍ يتحدّى هذه المعطيات، ويتنافى معها، إنّما يندرج في باب الاستكبار (الممانعة!) المعلومة هزائمه المنكرة، ومن شأنه أنْ يخلّف وراءه الكثير من الأراضي الخراب، ويحفر المزيد من المقابر الجماعيّة. إنّما العبرة هي بإعمال العقل، وقد آن الأوان ليكون هذا العقل هو البوصلة وهو المنارة.

كلّ مَن يتوسّل النجدة، بعد الآن، من “وحشٍ” غربيٍّ أو شرقيّ، سيحكم على نفسه وبني قومه وبلده بأعمارٍ جديدةٍ من الهوان. كمَن يلدغ من الجحر مرّتين وثلاثًا، فلا يعتبر، ولا يرتدع. لا يمكن الارتهان لأصحاب المصالح والمطامع. لخطأٌ مميتٌ الارتكاب مرّتين، لئلّا يقع الجميع في التهلكة المميتة التي لا قيامة منها. حذار. حذار. فما حكّ جلدكَ إلّا ظفركَ. والحال هي هذه، ينبغي للذين يخسرون الرهان هنا، وللذين يأخذون بالمقاليد الموقّتة، على مقربة، أنْ يروا جيّدًا.

فيتّعظ هؤلاء من الخرائب التي يرجعون إليها، ويتثبّت أولئك من الأرض التي يضعون أقدامهم عليها، والأسرّة التي يأوون إليها، وصحون الدور والقصور التي يتصدّرون المجالس فيها، والكراسي التي يجلسون عليها. وأنْ يعرفوا أنّها لو دامت لغيرهم ما آلت إليهم. وأنّ عليهم أنْ يتفحّصوا المعطيات والمكوّنات جيّدًا ومليًّا، وأنْ يستبقوا الرياح، ويقدّروا جيّدًا أماكن هبوبها، والمواقيت، فلا تبغتهم فجاءةٌ، أو يمكر بهم تغيّرٌ على غير توقّعٍ وانتظار.

صحيح. الطريق طويلٌ. ومحفوفٌ بالأخطار. لكنّه ليس بلا نهاية. فالأفق سيبقى أفقًا، وليس من المستحيل أنْ ينفتح، لينشقّ عن ضوء. فالليل مهما تطاول، فهو سينعس، وسينام، تاركًا الفجر يؤدّي رقصته المشمسة.

يجب أنْ يتّعظ أهل السرقة والسلطة في لبنان. فلقد تغيّر الدهر، ولا بدّ أنْ يتغيّر رجاله وأذنابه، فنذهب سالمين إلى حياتنا المسروقة، لنستعيدها بسلاسة. ورويدًا. لا بدّ من ذلك. إنّي أراها. إنّي أراها، هذه الحياة. وليس من باب الهلوسة، ما أتفوّه به، إنّما من نافذة العقل فحسب.

وسيكون مفجعًا جدًّا التعامي عن رؤية تلك النافذة، وكذا أقول عن ازدرائها، والتغاضي عنها، وعدم الترحيب بها، وإنْ بتهيّبٍ وتحفّظ. إنّي أراها في كلّ مكان، وأمامي، ويجب أنْ تنعموا النظر (العقليّ) لتروها، وتتعاملوا معها، بما يقتضيه الأمر من رحابةٍ وصبرٍ ورجاحة بصيرة. والرئاسة هي الامتحان وهي المحكّ وهي البرهان.

لا تنسوا أنّ الفجر سيؤدّي رقصته المشمسة!

اخترنا لك