راغب علامة يفجر المسكوت عنه
"حزب الله" لقي حتفه مع رحيل حسن نصر الله ودفن معه جميع مظاهر القوة والنفوذ
بقلم عبدالحميد الغبين
ثمة قول للمفكر اللبناني جبران خليل جبران: “الحق يحتاج إلى رجلين: رجل ينطق به ورجل يفهمه.”
يعاني لبنان منذ عام (1976)، من أعراض جمرة الحرب الأهلية التي راح ضحيتها عشرات الآلاف بين قتيل ومعاق، إضافة إلى تشرد مئات الألوف من للبنانيين، وتدمير البنية التحتية والاقتصادية، وعلى إثر ذلك ولدت نُسْخَةٌ من لبنان مشوهه بكل القبح ودوائر الشر التي عرفتها البشرية من القتل وموت الضمير إلى النفاق إلى ضياع الهوية التي يتفرد بها ذات الشخص والمجتمع.
هذه النسخة ظهرت بشكل جلي مع نشأة حزب الله الذي أشاع، ممارسة الاستبداد وإلغاء الآخر، حول لبنان، الذي نشأت على أرضه أقدم الحضارات الإنسانية منذ 7000 سنة وعلم العالم التجارة والملاحة على يد الفينيقيين، وفي مطلع القرن الماضي كان لبنان مهد الثقافة والفن والإبداع وحرية التعبير، ومنبع الأفكار التي شكلت العالم العربي فيما بعد، إلى مرتع للفساد والدمار والخراب وارتهانه سياسيا واقتصاديا إلى دول أخرى.
وفي هذا السياق والاحتقان والإحباط الذي يعيش فيه المجتمع اللبناني، عبر راغب علامة في لحظة عَفْوِيَّةٌ عن مكنون وكبت داخل النفس والوجدان الجمعي للمجتمع اللبناني بكل طوائفه، هي لحظة لا تأتي إلا عندما يكون الإنسان واضحا وصادقا مع نفسه، قالها “تخلص لبنان والمنطقة والعالم من حسن نصر الله”.
يمثل حسن نصر الله حالة من التناقضات في الوجدان والخيال اللبناني والعربي حيث يمثل حال من عدم الاستقرار واليقين نحو المستقبل والخراب والدمار، وفي ذات الوقت حالة من نصر وخلاص يرتجى، وعلامة لم يقصد ذات حسن نصر الله كإنسان، بل المعنى الذي يمثله حسن نصر الله.
فجر راغب علامة أمر مسكوت عنه في لبنان، وهو هوية ووجود لبنان، ولعل الزخم الذي أخذته كلماته ليس لأنه راغب علامة، أو أنه هو ذاته ينحدر من ذات المذهب الشيعي الذي ينتمي إليه حسن نصر الله، بل الأمر أعمق من ذلك، وهو أن المجتمع اللبناني وصل إلى مرحلة من الغليان أو ما يعرف بعمليّة التحول، وهي العملية التي يتم من خلالها تحول المادة من الحالة السائلة إلى الحالة الغازية، ثم الضغط، ثم الانفجار.
في حالة علامة يبدو أنه حاول التعبير عن رأي سياسي جريء لم يقصده، أو بمعنى آخر أخطأ في اللفظ، وأصاب في المعنى، تجاه شخصية ذات بعد رمزي ومعنوي وأيضا شخصية محورية في المجتمع الشيعي.
بصرف النظر عن التحولات القادمة، يجب أن نفهم أن رأى مثل هذا سيكون له عواقب وخيمة عليه وعلى مصالحه، لا سيما في مجتمعات تعتمد على الطائفية كمرتكز لهوية الفرد.
ومما لا شك فيه أن التحولات الجوهرية في المنطقة وخاصة التغيير الجوهري في بنية السياسة السورية له أثر بالغ على مستقبل لبنان.
والمؤكد أن هذه اللحظة التاريخية مناسبة لفتح نقاشات أعمق حول مستقبل لبنان ومناقشة وجود حزب الله كحالة عسكرية مهددة لأمن ووجود ومستقبل لبنان، وأول لبنة تبنى حول معاني الحرية وتحرر لبنان كدولة ومجتمع، حل حزب الله بميليشياته وفكره المبني على ولاية الفقيه. وهذا لا يتم إلا من خلال توفير فضاءات آمنة للمناقشة وخيارات متاحة لكل فرد والمجتمع ككل.
يجب على اللبنانيين أن يدركوا أن حزب الله قد لقي حتفه مع رحيل حسن نصر الله، حيث دفن معه جميع مظاهر القوة والنفوذ والتأثير. كما تترك العواصف القاسية خلفها آثاراً من الفوضى، فإن حزب الله يشبه ذلك، لكنه سرعان ما يختفي ويتبدد كسراب بعيد في الأفق.
عبدالحميد الغبين | كاتب صحافي ومحلل سياسي | مهتم بالشؤون الإيرانية والإسرائيلية الخليجية.