على طريقة المحاكم الدينية يصدر “#حزب_الله” أحكامه
–
بقلم نجم الهاشم
بغضّ النظر عما إذا كان كلام الفنان راغب علامة عن السيد حسن نصرالله صحيحاً أم مفبركاً عبر الذكاء الإصطناعي، إلّا أنّ ردود الفعل عليه و»تكفيره» تبقى مسجلة بالصوت والصورة لتوثيق حالة دينية سياسية يمثّلها «حزب الله» وترفض أيّ انتقاد وأيّ خروج عن تكاليفها الشرعية وصولاً ربّما إلى حدّ إطلاق أحكام دينية على طريقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
على طريقة الشرطة الدينية يتحرّك مناصرو «حزب الله» لمحاسبة من ينتقد أو من يعترض أو من يتعرّض للأمين العام لـ «الحزب» السيد حسن نصرالله، أو لسياساته، أو حتى لمراجعه الدينية في مركز ولاية الفقيه في الجمهورية الإسلامية في إيران. وعلى طريقة المحاكمات الدينية يصدر «الحزب» أحكامه خارج السياق العام للمحاكم العادية الرسمية المدنية التي يحتكم إليها سائر اللبنانيين، ويسعى إلى تنفيذ هذه الأحكام. من كلفه بذلك؟ سبق للسيد حسن نصرالله أن قال، رداً على تساؤلات حول من كلّفه شنّ الحروب، «أنا الله مكلّفني».
هالة تقديس السيد
بعد اغتيال نصرالله صار «الحزب» أكثر توتراً ورفضاً تجاه أيّ انتقاد يُوجّه إليه. هالة التقديس التي يسبغها عليه تجعله أسيراً لها إلى الحدّ الذي يصبح معه مجبراً على تحمّل أعباء الردّ على ما يعتبر أنّه «إهانة للسيد». إذا ردّ قد يقع في مشكلة، وإذا لم يردّ يواجه مشكلة أكبر نتيجة تفسير سكوته وكأنّه ضعف وتنازل، الأمر الذي قد يشجع على التمادي في موجة الانتقادات.
بعد تسريب الكلام المنسوب إلى الفنان راغب علامة في اتصال هاتفي بينه وبين الفنان الإماراتي عبدالله بالخير، وقوله له بعد دعوته لزيارة لبنان «ما عاد في نصرالله ارتحنا من ربّو»، حطّم مناصرون لـ «الحزب» مدرسة يملكها علامة في الضاحية الجنوبية. هي ليست المرة الأولى التي يتعرّض فيها علامة لمثل هذه الردود. فخلال الحرب في 19 تشرين الأول الماضي واجه مسألة التهديد بإخلاء فندق يملكه في بلدة غزير في كسروان من النازحين الشيعة وقد كتب عبر حسابه على أكس: «يبدو أن العقول السوداء لم تطل فقط مجالي الفني وحياتي العائلية بل تطاولت على الممتلكات الشخصية ايضاً».
إخبار أمام الحجّار
لم تبق المسألة ضمن حدود إحراق المدرسة والتعرّض لمالكها بالويل والثبور والشتائم على مواقع التواصل الاجتماعي، بل وصلت إلى حدّ تقدم المحامين حسين رمضان وعبدو قطايا وعلي رباح بإخبار ضدّه أمام النيابة العامة التمييزية وذلك على خلفية التسجيل الصوتي المنسوب إليه. وقد اتهموه «بإثارة النعرات الطائفية، وتعكير الصفاء بين عناصر الأمة وإضعاف الشعور القومي والإساءة إلى المعتقدات الدينية لأنّ حديثه مع بالخير تضمّن تصريحات مشينة ومهينة تجاه الشهيد السيد حسن نصرالله حيث قال المُخبَر عنه بصريح العبارة «راجع إلى لبنان وارتحنا من ربّو لحسن نصرالله». وطلبوا محاكمة علامة لأنّه ارتكب «جرائم تمسّ الكرامة والشرف وتثير النعرات الطائفية وتُخِلّ بالأمن والسلم العام». وقد أحال النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجّار الإخبار إلى قسم المباحث الجنائية المركزية «لمتابعة التحقيقات واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة».
ربّما كانت إحالة القاضي الحجّار للإخبار إلى المباحث الجنائية المركزية أمراً روتينياً. ولكن السؤال يتمحور حول ما إذا كان القضاء يعتبر أن التعرّض لنصرالله بات يقع ضمن الجرائم الموصوفة التي أتى على ذكرها المحامون في إخبارهم. وما يجدر التوقف عنده هو السؤال عمّا إذا كانت الأجهزة الأمنية والقضاء تحرّكوا ضدّ الذين أقدموا على التعدّي على ممتلكات علامة الخاصّة طالما أنّ الاعتداءات كانت مصوَّرة والذين قاموا بها يمكن معرفتهم وملاحقتهم.
الفنان راغب علامة وجهاً آخر للصورة التي يريدها «حزب الله» لأتباعه وللبنانيين. ولكن ليس بالضرورة أن يكون هذا الوجه الآخر مناقضاً، وليس بالضرورة أن يكون هذا التناقض أو الاختلاف سبباً للاتهام بارتكاب جريمة. هذا الوضع لا يقتصر فقط على علامة بل يتعدّاه إلى أسماء وحالات أخرى تصدّى لها «الحزب» وأنصاره بالتعرّض الشخصي أو بالكلام السياسي والتوجيهي العام.
حاول «الحزب» وأتباعه أن يفرضوا إيقاع عقائدهم الخاصة على مناطقهم لجهة منع بيع الكحول أو شربها أو السباحة بالمايوه أو السهر والاستماع إلى الأغاني والطرب. ثمة كلام واضح للأمين العام السابق السيد حسن نصرالله بهذا الخصوص وكلام مماثل للعديد من مسؤولي «الحزب» حول ثقافة المقاومة وثقافة الكباريهات ومحبي السهر ورفض الذهاب إلى الشواطئ والمطاعم والرقص والغناء على أساس أنّها كلها مناقضة لمنهج «الحزب» وعقائده.
لذلك لم يتوانَ «الحزب» عن تهديد الذين ينتقدونه وحملهم على التراجع والاعتذار. بحيث باتت مسائل «قبل السحسوح وبعده» مدعاة للسخرية من طريقة تصرّف «الحزب» وصولاً إلى حدّ اتهامه باغتيال عدد من معارضيه الذين لم يرتدعوا بعد التهديد. وما ساعد «الحزب» في هذا المجال أنّه كان «يمون» على الأجهزة الأمنية والقضائية لإقفال التحقيقات في هذه الملفات ومنع اكتمالها.
وما حصل في قضايا الضابط الطيار سامر حنا واغتيال لقمان سليم وهاشم السلمان والياس الحصروني والرئيس رفيق الحريري وقيادات من قوى 14 آذار، وتفجير «مرفأ بيروت» و»المغرّدات» الثلاث، أدلة على هذا التدخل. وربّما يريد «الحزب» أن تكون له القدرة على تحريك القضاء ساعة يريد ضدّ من يعتبر أنّهم ضدّه ليبقى ممسكاً بقرار الطائفة الشيعية والسلطة اللبنانية. ولا يخرج عن هذا الإطار تحكّمه بمجرى الإنتخابات النيابية والبلدية وتهديد المرشحين الذين يخرجون عن طاعته.
الانتقاد الممنوع
خطورة ما يحصل مع الفنان علامة ومن خلال الإخبار المقدم ضدّه، أن يصبح السيد حسن نصرالله فوق أي انتقاد، وأن يُعتبر ذلك مسّاً بأمن الدولة. لا يشكّ أحد، من أنصار نصرالله ومن خصومه وأعدائه، بالمكانة التي مثّلها على المستوى الشخصي والقيادي وتحوّله إلى رمز ومثال. ولكن ما على «الحزب» أن يتجنّبه هو تحويل هذا الاحترام وهذه الهالة إلى نوع من القدسية والألوهية عليه.
قد يكون علامة ارتكب هفوة إذا لم يقتنع الموالون لـ «الحزب» بأنّ ما قاله في التسجيل الصوتي ليس نتيجة عمل ذكاء اصطناعي. ولكنّ تكفيره لا يجوز أيضاً ومرفوض وعلى القضاء ألّا يقبل الإدّعاء ضدّه. ليس من المعروف أنّ علامة من مؤيّدي «الحزب» وهو في طريقة عيشه وفنّه لا يماشي ما يريده «الحزب».
أكثر من ذلك طالما غنى علامة للجيش منذ انطلاقته الفنية واعتبر أن الجيش هو أمل اللبنانيين بالخلاص ودعا إلى أن «يحكم هذا الجيش لنرتاح». وهو الذي دعم الجيش في «حرب الجرود» وأطلق أغنية «يا لبنان استقلالك عم بيصلّي فوق جبالك، مجدك عم يطلب من الله يحمي عسكرنا ورجالك». وهو الذي أطلق عام 2013 أغنية «بوس العٓلم وعلّي راسك، خلّي عَلَمك يبقى عالي، أرضك شعبك جيشك ناسك، هنّي رمز الوطن الغالي»…
خطيئة علامة أو جريمته أنه لم يأتِ على ذكر المقاومة في هذه الثلاثية. أكثر من ذلك علامة متّهم أيضا بأنّه فَرِح باغتيال نصرالله وضحك مع بالخير.