بقلم عقل العويط
تنتهي السنة غدًا. خمسون عامًا ونيف من العبوديّة، تفرّ كدجاجٍ مذعور تحت الجنح المظلم. وفي الوضح. الناس يحتفلون. الناس لا يحتفلون. لا بدّ من أنْ يأخذ كلُّ حادثٍ تاريخيٍّ حقّه في الوقت والتعبير. بعد الانفعال، ثمّة حاجةٌ إلى التبصّر. هنا وهناك. وهلمّ.
بين رصيفٍ وآخر، جثثٌ كثيرةٌ. هاربون كثرٌ. وزاحفون. وانتهازيّون. ثمّة أفقٌ غير معلومٍ. وجوعٌ كثير. ومهانةٌ. ومصالحُ خسيسةٌ وخرائطُ ومسدّساتٌ فوق الطاولات. وعيونٌ من زجاج. وأفئدةٌ من حجر. وثمّة مَن يقهقه. مَن يمدّ رجليه من النافذة، بازدراء. وبأسنانٍ كريهة. وثمّة أيضًا مَن لا يبالي بالبيوت الخرِبة. بالشجر المريض. بالأطفال الذين يولدون موتى. وثمّة حقًّا مَن هو والغٌ في التهلكة العمياء، ولا يتّعظ، بل ينكأ المزيد من اللغة والسقوف. والمصائر.
الكلّ يعرف ما جرى. الكلّ يعرف ما يحدث في فلسطين. في سوريا. في لبنان. في أنطاكيا وسائر المشرق. وصولًا إلى برّ الأناضول وطهران. وها إنّي أردّد آياتِ ما جرى، غيبًا وجيّدًا وعن ظهر قلب. لكنّي مهمومٌ باليوم الآتي. ومتوجّسٌ. وأضع يدي على قلبي.
وإنّي أدعو المعنيّين، من فوق إلى تحت، وبالعكس، إلى أنْ يتذكّروا “إعلان بيروت دمشق/ دمشق بيروت” (12 أيار 2006)، و”الملحق”. “ملحق النهار” سنتذاك، وقبلها. وأنْ يسترشدوا ببوصلة “الإعلان” وذلك “الملحق” ومنارتهما. وهما في متن الصفحات وبالأقلام. وفي ما سطّرته نخبةٌ من المفكّرين والكتّاب السوريّين واللبنانييّن، عن الضرورات التي لا مفرّ منها، في كلا البلدين، وفي شأن موجبات منطق العقل والرؤيا والبصيرة والرؤية النافذة. والحرّيّة لسوريا وللسوريّين، والاستقلال للبنان للبنانيّين… والسيادة.
والآن، هو الوقت. هو الامتحان. وعلى سبيل النصيحة، يجب أنْ تُستعاد تلك الكتابات. وفورًا. لتُقرأ. ويُعمَل بها. لأنّها خريطة طريق، محصّنة ضدّ الفخاح والألغام. فكأنّها وُضِعت لهذا الزمن، ولليوم التالي. وها اليوم. فلا يضيّعنّ أحدٌ الفرصة. لا في لبنان. ولا في سوريا. وإذا كانت المسألة أكثر تعقيدًا ممّا يُرى، فالضرورات تصبح مضاعفةً. ولا يستخفّنّ أحدٌ بهذا الشرق، يا سادة. فهو فردوس، إذا أُحسِن تدبيره. وهو جهنّم، حيث كوميديا الموت تفتح شدقَيها الفاغرَين جوعًا لا ينتهي إلى الجثث، وعطشًا إلى الدم لا يرتوي. ولا يسكرنّ أحدٌ بحبّة زبيب. ولا بكرْمٍ مهما كثر عنبه، وإنْ وصلت حدود الكرْم إلى مضيق الدردنيل، أو مضيق هرمز.
“الإعلان” و”الملحق” في المتناول، وخريطة الطريق موجودة. والبنود هي البنود. أهل سوريا أدرى بشعابها، واستحقاقاتها. أمّا استحقاق اليوم التالي، لبنانيًّا، فيبدأ في التاسع من كانون الثاني 2025، وما يليه من ضرورات. وهي جمّة. فليتّعظ مَن يتّعظ. ولا ينسينّ أحدٌ أنّ الأمم متربّصةٌ بنا. و”الفصل السابع” هو “الفصل السابع”. والخرائط على الطاولة.
إنّها تمطر. ما أطيب المطر. ما أكرمه. رحمةً بالأرض وبصراخ القبور الجماعيّة. كلّ سنة وأنتم بخير.