بقلم عبدالحميد الغبين
@abdulhameedart
عندما تنظر إلى جيوش من الإعلاميين والكتّاب والمدوّنين في الإعلام الجديد، تصنع من مجموعة مسلّحين يقودهم شخص يحمل كل إرث القاعدة وداعش والنصرة والأخوان المسلمين، من فكر دموي، بأنهم ثوار أبطال ومحررون، بل ويبشّرون بأنهم قادمون لتحرير الدول العربية، تعلم أن أزمة المثقف العربي مع نفسه، وأن جيناته مجبولة على العبودية.
ويغفلون عن الجيش السوري الذي هو الشعب أساسا، أسقط الطاغية عندما قرر أن لا يقاتل وتركوه وحيدا خائفا، إن آلاف المعتقلين والشهداء هم بطاقة الحرية التي أسقطت أحد أسوأ الدكتاتوريات في العالم، ودمرت ليس فقط البلاد، بل دمرت العقل، وحطمت النفوس وشوهت الإنسان لشعب مهد للإنسانية الحضارة.
دائمًا يلحّ عليَّ سؤال: لماذا يكتب المثقف إذا كان غير قادر على قول الحقيقة والخروج من بوتقة المسكوت عنه، سواء في الخطاب السياسي أو الاجتماعي أو الديني؟ بمعنى أن المثقف دائمًا يتجنب التصادم مع السلطة الحاكمة، ويراعيها في كتاباته، بل وقد ينبري ويدافع عن أخطائها التي ربما تكلف الشعب مستقبله، وربما حياته في وطن مستقر. بل ومنهم من يدافع عن جرائمه وسجونه بأنها حصون الحرية، لا سيما في الأنظمة الجمهورية.
ومن ناحية أخرى، يتجنب أيضًا التصادم مع المجتمع في نقده للعادات، وربما التقاليد التي لا معنى لها غير كونها متوارثة، ولا تتوافق مع العصر الجديد الذي يتغير في كل شيء في لحظات، بدءًا من رؤساء الدول الذين أصبح مصيرهم بيد «أمريكا» إلى تغيير الجغرافيا.
ويتجنب أيضًا انتقاد الخطاب الديني، لا سيما الذي لا يسمح للإنسان فيه بالتجديد والنقاش، وإنما التعصب للرأي وأخذ الأمور من زاوية أحادية في الجدل أو قبول الرأي الآخر حتى وإن كان متفقًا معه على الأسس تحت ذرائع «التابو». وأيضًا في الجانب الآخر الذي يتصور أن كل شيء قابل للتجديد، وأن الماضي مجرد تراث يجب تجاوزه، وهنا نقع في إشكالية «الرفض» دون النظر إلى المعطيات ومحاولة التوفيق بين التجديد والتراث.
إن المثقف لم يعد مجرد شاهد زور أو شاهد صمت، وإنما أيضًا مشارك في «مذبحة» عقل الإنسان؛ لأنه يدعم الرؤى المعاكسة للحقيقة ويظللها. بل هو النحات الذي يصنع الطاغية، ويغذي “الأنا” وينفخ في نفسه العظمة، حتى يختزل العالم بذاته.
إننا اليوم في عصر إنترنت الأشياء وعصر الصورة التي باتت خارج سيطرة الحكومات، وخارج سيطرة المثقفين حيث لا «حجاب» يستطيع أن يقف أمام الرأي والكلمة والصورة.
وفي ظل ثورة الاتصالات الثالثة وعصر الذكاء الاصطناعي الذي سيغير ليس فقط سلوكياتنا بل وأفكارنا، وربما يسلب منا أعمالنا؛ لأنه لا عاصم اليوم من الإنترنت والذكاء الاصطناعي إلا الله سبحانه وتعالى. فلا تشاركوا في صناعة طاغية جديد، بل حاربوا الفساد والظلم، كفى بسجن صيدنايا شاهدا.