بقلم غادة المرّ
مأساةُ وطنٍ وشعبٍ ،كُتِبَ عليه أن يتحمّلَ لعناتٍ أبديّةٍ…
- لعنةُ موقعه الجغرافيَّ وحدوده المشتركةِ بين بلدين منخرطين في نزاعٍ وجودي منذ نصفِ قرنٍ.
- لعنةُ حكّامٍ وسلطةٍ فاسدةٍ قبضتْ على خناقِ الوطنِ والشّعبِ .وعاثتْ به قمعاً وتنكيلاً ونهباً وفساداً.
- لعنةُ الإختلافاتِ المذهبيّةِ والدّينيّةِ والإنقساماتِ الحزبيّةِ والعقائديّة ، والزّعاماتِ العائليّة.
- لعنةُ ثقلِ وجودِ لآجئين فلسطينين وسلاحهم المتفلّتِ ووجودِ لاجئين سوريين غير منظّمٍ وبأعدادٍ تفوق قدرته على الإستعاب ، واستحالةُ عودتهم في المدى المنظور.
لطالما كرهتُ لعبةَ الشّطرنجِ.. فأنا لا أفهمُ لماذا يجبُ أن يموتَ كلُّ الجنودِ ،كي يحيا الملكُ ؟؟
لا أرى ملوكاً يموتون ليحيا الشّعبُ .!! (غاندي)
حزنُ لبنان اليومَ ، شجرةٌ تحملُ أسماء َشهداءِ المرفأ، لبنانُ الّذي عانى ومازالَ من أسوأ أزمةٍ ماليّةٍ -إقتصاديّة،ومن تفلّتِ الأمن والسّلاحِ، ومن غيابٍ كلّيٍّ لوجودِ الدّولةِ والأمنِ والإستقرارِ . ما دفعَ بالبلادِ للدخولِ بنفقِ نهبِ مدخّراتِ النّاس في المصارفِ والإنحدارِ نحو هاويةٍ ؛ أدّتْ إلى إفلاسِ البلدِ وتدميرِ إقتصاده وخدماتِه المميّزةِ المصرفيّةِ والإستشفائيّةِ والثقافيّةِ … والإنحدارِ بالإقتصادِ نحو أسوأ دركٍ،في ظلِّ سلطةٍ فاشلةٍ فاسدةٍ.
وإلى جانبِ مأساته هذه ، يعاني لبنانَ من لعنةِ لجوءٍ ،ينؤ تحتها منذُ خمسةِ عقودٍ من الزمن ،تتمثّلُ باللّجوءِ الفلسطينيِّ وباللّجوءِ السّوريِّ.
يتحمّلُ لبنانَ وجودَ لآجئين فلسطينيّن في مخيّماتٍ ،خارجةً عن سلطةِ الدّولةِ .ينتشرُ فيها السّلاحُ والتهريبُ والخارجون عن القانون.
بالإضافةِ إلى وجودِ اللآجئين السّوريين، المنتشرين في كافةِ المناطقِ اللّبنانيّةِ ،بطريقةٍ عشوائيّةٍ غيرِ مدروسةٍ ومنظّمةٍ، ما زادَ من تفاقمِ أزماته الإجتماعيّةِ والإقتصاديّةِ والسّكانيّةِ ، الّتي أدّتْ إلى إفلاسٍ وإنهيارٍ تامٍ لقدرةِ البلدِ على الصّمودِ ، وإنهيارِ مقوّماتِ المواطنِ لعيشٍ كريم.ولعلَّ هذا الوطنَ المنكوبَ، ضحيةُ موقعِه الجغرافيِّ المشؤومِ، بين إسرائيل وسوريا، وهيمنةُ إيرانَ عليه بواسطةِ حزب الله وسلاحِه وسطوتِه على مفاصلِ الدّولةِ وقراراتِها، وإقحامِه للبنانَ بالصّراعِ الإيرانيِّ-الأميركيّ-السّوريّ-الإسرائيليِّ في الشرقِ العربيِّ.
ولم يعد خافياً على أحدٍ، الثمن َالباهظَ الّذي دفعه لبنان وعاصمته بيروتَ، جرّاءَ تفجيرِ المرفأ في بيروت المأساويِّ الّذي جعلَ حزنَ بيروتَ ،مدينةً منكوبةً ،معلّقةً على شجرةِ الميلادِ الصّامتةِ والشّاهدةِ على جريمةِالعصرِ الفاجعة.
وما زادَالطينَ بلّةً، نظامٌ طائفيٌّ ومذهبيٌّ ،وشلّةٌ وعصابةٌ من رؤوساءِ أحزابٍ وميليشياتٍ ،وحكّامٌ فاسدون مجرمون، يقبضون على خناقِ الوطنِ والمواطن.
ولعلَّ لعنةَ اللجوءِ الفلسطينيِّ والسّوريِّ قد قصمَتْ ظهرَ البعير .وجرّتِ الويلاتِ على هذا البلدِ المنكوب .
ولبنان اليوم غيرُ قادرٍ على تحمّلِ المزيدِ من الأعباءِ لأولئك اللآجئين الّذين يستحقون عيشاً كريماً وعودةً سريعة إلى قراهم ومنازلهم.
لكن الأفق يبدو ضبابياً ومسدوداً أمام عودتِهم المحقّةِ والإنسانيّةِ،
نحن في لبنانَ، وهم اللاجئون على أرضنا…
نتتظرُ القرارَ لحلِّ أزمة الشّرقِ الأوسطِ وإحقاقِ العدلِ والأمنِ ،وننتظرُ ما ستؤول إليه، عمليةُ ترسيمِ الحدودِ والتطبيعِ وحلٍّ لمشكلةِ الشرق ِالأوسطِ المزمنةِ بشكلٍ عادلٍ ونهائيٍّ ،آملين أن نكون في المفاوضاتِ إلى الطاولةِ وليس على الطاولةِ …
ونكون بذلك قد دفعنا ثمناً باهظاً لن نقوى على إحتوائِه والإنتهاءِ من دفعِ أثمانٍ قد تؤدي إلى زوالِ لبنانَ وبيروتَ من خارطةِ الشرقِ وإلغاءِ وجهِه الغربيِّ والعربيِّ وحضارتِه وثقافتِه ومحو دورِه الرياديِّ في هذا الشّرقِ الحزين .