الانتخابات الرئاسية وضرورة التعلم من تجربة فؤاد شهاب

بقلم وفيق الهواري

واخيراً في التاسع من كانون الثاني/يناير 2025، انتخب نواب “الشعوب” اللبنانية قائد الجيش العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية. تمّ ذلك بعد شغور الموقع الرئاسي لمدة 26 شهراً و9 أيام، ما ادى الى مزيد من انهيار وتحلل مؤسسات الدولة. وبعد 4 أشهر من العدوان الاسرائيلي الذي أدى الى سقوط آلاف الضحايا والجرحى، والى تدمير بلدات وقرى كاملة في الجنوب والضاحية والبقاع.

عملية انتخاب العماد جوزاف عون

لم يأت انتخاب رئيس الجمهورية نتيجة توافق وتفاهم لبناني داخلي، بل جاءت عملية انتخابه جراء تدخل خارجي واضح وصريح، وفق جدول أعمال إقليمي ودولي يرتبط بخطط الجهات الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط.

انتخب الرئيس جوزاف عون في الدورة الانتخابية الثانية. وهو نال في الدورة الأولى 71 صوتاً، وادلى نواب الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر بأوراق بيضاء منعته من الحصول على 86 صوتاً لحسم العملية. لكن استراحة الساعتين التي أعلنها رئيس مجلس النواب نبيه بري كانت كافية للنائبين محمد رعد وعلي حسن خليل للاجتماع بالعماد جوزاف عون والوصول معه الى تفاهم يتيح للثنائي الشيعي منحه أصوات نوابهما.

أجواء المباحثات

تقول مصادر مقربة من الثنائي لجريدة “الخبر” ان النائبين ابلغا عون انه ليس لديهم اعتراض عليه، لكن الادلاء بأوراق بيضاء كان للتأكيد أن الانتخاب بدونهما لا يمر.
في حين أشارت مصادر اخرى الى ان المباحثات بين الطرفين طالت مواضيع مختلفة، منها الالتزام والتعهد بإعادة الاعمار في كل لبنان، التفاهم على قائد الجيش الجديد، الاستراتيجية الدفاعية، الحكومة الجديدة وبيانها الوزاري، المحاصصة في الوزارة واحتفاظ الطرف الشيعي بوزارة المالية.
اذا صدقت هذه المصادر فهذا يعني ان طريق المحاصصة الطائفية ما زال سالكاً ولا أمل ببناء دولة ومؤسسات.

خطاب الرئيس الجديد

في خطابه الأول امام مجلس نواب “الشعوب” اللبنانية، أشار الرئيس الجديد الى ان تاريخ لبنان يبدأ بمرحلة جديدة، وانه سيمارس صلاحياته كاملة كحكم عادل بين المؤسسات، وبأن بناء وطن يشترط ان يكون الجميع تحت سقف القانون وتحت سقف القضاء. وتعهد ان لا يكون بعد اليوم مافيات ولا بؤر أمنية او تدخل في القضاء كما تعهد باقرار مشروع قانون جديد لاستقلالية القضاء والطعن باي قانون يخالف الدستور واحترام فصل السلطات.
كما تعهد بإعادة هيكلية الإدارة ومداورة في وظائف الفئة الأولى وتعيين الهيئات الناظمة.

من جهة اخرى أكد الرئيس جوزاف عون على حق الدولة باحتكار حمل السلاح والاستثمار في الجيش لضبط الحدود ومحاربة الإرهاب وحفظ وحدة الاراضي اللبنانية. كما تعهد بالدعوة الى مناقشة سياسة دفاعية متكاملة كجزء من استراتيجية الأمن الوطني بما يمكّن الدولة اللبنانية من إزالة الاحتلال الاسرائيلي، واعادة اعمار ما هدمه العدوان الاسرائيلي بشفافية.

وفيما شدد على إقامة افضل العلاقات مع الدول العربية ودول المشرق والخليج العربي وشمال أفريقيا، أشار الى أن الفرصة سانحة حالياً للحوار جدي مع الدولة السورية ومعالجة جميع المسائل العالقة بيننا، وأكد تمسكه بالحفاظ على الاقتصاد الحر وعدم التهاون في حماية اموال المودعين، الى جانب ايجاد حلول لمشكلات اخرى يعيشها المواطن اللبناني.

التصفيق المدهش

ما اثار الدهشة هو التصفيق المتواصل الذي مارسه معظم نواب “الشعوب” اللبنانية، خلال خطاب الرئيس الجديد مع العلم ان جميع المشكلات التي اتى على ذكرها في خطابه يتحمل هؤلاء النواب ومن يمثلون من قوى سياسية مسؤولية ما آلت اليه البلاد منذ تقديمها نموذج نظام المحاصصة الطائفية عند قيام دولة الطائف.

سبل تنفيذ الحلول

اذا كان الرئيس الجديد قد حدد المشكلات الاساسية التي يعاني منها المواطنون، واجزم ان معظمهم يوافقه الرأي ولكن يبقى السؤال كيف سيتمكن من ايجاد الحلول المناسبة وسبل تنفيذها؟.

واذا كان الخارج استطاع فرض انتخاب رئيس جديد للجمهورية بسبب عجز الداخل عن الوصول الى هذه النتيجة، الا ان اي تغيير مما اقترحه او تعهد به الرئيس عون بحاجة الى قوى داخلية لإجراء التغيير المطلوب، فهل تسمح قوى المحاصصة الطائفية بذلك؟

تجربة فؤاد شهاب

لنعد الى الوراء قليلاً، عام 1957 أسقط الرئيس كميل شمعون معظم معارضيه في الانتخابات النيابية آنذاك ومنهم كمال جنبلاط، صائب سلام ورشيد كرامي وغيرهم اثر نزاعات داخلية ثم اتى العامل الخارجي متمثلاً بمشروع حلف بغداد ما ادى الى حوادث 1958. تفاهم واشنطن والقاهرة دفع مجلس النواب نفسه الذي اتى به شمعون الى انتخاب قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية.

استطاع الرئيس شهاب بناء مؤسسات عامة للدولة في معظم الميادين التي وفّرت امناً واماناً للمواطنين، لكن هذه التجربة سقطت وتحولت هذه المؤسسات الى مواقع تسيطر عليها قوى المحاصصة الطائفية، والسبب يعود إلى اعتقاد الرئيس شهاب بإمكانية بناء دولة مواطنة، دولة قانون ومؤسسات في ظل استمرار النظام الطائفي. هذه ملاحظة هامة لعل الرئيس الجديد يستفيد من تجربة فؤاد شهاب المهمة، وهذا مرتبط بتكوين مساحة عامة مشتركة بين اللبنانيين خارج الاطر الطائفية، فهل ينجح اللبنانيون بذلك فينجح معهم الرئيس الجديد؟

اخترنا لك