بقلم أنطونيو فرحات
عند كل أزمة وعندما يريد أيّ مكون في لبنان افتعال أزمة أو مشكلة يتطرّق لمسألة الميثاقيّة، بمعنى أنه يدّعي أنّ العمل المنويّ القيام به أو الإجراء الذي اتخذ خلافاً لرأيه غير ميثاقي.
بالأمس صرّح الثنائي الشيعي بأن تكليف القاضي نوّاف سلام لرئاسة الحكومة غير ميثاقي. وقبل تبيان حقيقة الأمر من الناحية الدستوريّة والقانونية لا بدّ بداية من تعريف معنى “ميثاق العيش المشترك”، الذي يتجسّد باتفاق أو وثيقة تحدّد القواعد والمبادئ التي تنظّم العلاقات بين الأفراد والجماعات المختلفة في مجتمع ما، وذلك بهدف تعزيز السلم الأهلي والاحترام المتبادل. وعليه فإن الميثاق المشترك الواجب التطبيق في ما بيننا كلبنانيين هو وثيقة اتفاق الطائف الذي تكرّس في تعديل الدستور عام 1990. وبالتالي إنّ تطبيق الدستور لا يعني إقصاء أو إلغاء أحد إذا كان الفيصل في أي استحقاق هو الديمقراطية، المبدأ المكرّس أيضاً فيه.
وبالعودة إلى الفقرة “ي” من مقدمة الدستور التي نصّت أن “لا شرعيّة لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك” لا يمكن أن يستخدم هذا المبدأ كشماعة عند أي استحقاق للتعبير عن عدم رضى معيّن في حال لم تنل مجموعة ما أكثريّة تخوّلها أن تحكم أو أن تفرض ما تريد.
إذ يتجلّى أن مبدأ الديمقراطية المنصوص عنه أيضاً في الفقرة “ج” من مقدمة الدستور يَفرض عند أي استحقاق أن تكون هناك أكثريّة تحكم وأقليّة تعارض.
وبالتالي لا يحق للأخيرة ألا تعترف بالديمقراطية وبنتائج التسمية وأن تحاول نسف النتيجة من خلال الادّعاء بعدم توفر الميثاقيّة الأمر الذي لا يمكن التذرّع به في هذه الحالة، خاصة أنه تم تطبيق مبدأَي الديمقراطية والمساواة المنصوص عنهما في الفقرة “ج” من مقدّمة الدستور.
أكثر استفاضة، نصّت المادة 95 فقرة “أ” من الدستور على أن “تمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة”. وهذه الفقرة واضحة لناحية تمثيل الطوائف وليس المجموعات أو الأحزاب. فكل طائفة في لبنان تذخر بشخصيّات وقامات من أصحاب الاختصاص والكفاءة تستأهل أن تكون في الحكم حتى ولو لم تكن على يد حزب من هنا أو حركة أو تيار من هناك. وعليه إن مجرد احترام هذا المبدأ يجعل الحكومة ميثاقية بغض النظر عن معارضة أي من الأحزاب لها.
يتبدّى بما لا يقبل الشكّ أن مسار التكليف يختلف عن مسار التأليف، وعليه إذا لم ترغب إحدى القوى في المشاركة في الحكومة لا يحق لها الادعاء بإقصاء طائفة بكاملها، أو الادعاء بعدم دستورية الحكومة المستقبلة وعدم ميثاقيتها لأن هذا الادعاء بحد ذاته غير دستوري وغير واقعي وإنما هو محض سياسي، خاصة في حال قرّر هذا المكوّن بإرادته المنفردة عدم المشاركة فيها وكانت هذه الحكومة تضم جميع الطوائف بصورة عادلة كما سبق بيانه. مع الإشارة إلى أن لا حزب أو تيار أو حركة في لبنان أكبر من طائفته.
استناداً إلى ما تقدم قد تكون مشاركة جميع القوى ضرورية لهذه المرحلة من تاريخنا، لكن لا يمكن إجبار أحد على المشاركة من عدمها، غير أنه في حال الإصرار على عدم المشاركة في الحكومة من أحد المكونات يتوجب على من أخذ القرار أن يؤدّي دوراً إيجابياً في المعارضة وهذا يكون مصدر غنى للديمقراطية وللشعب اللّبناني لا سيّما أنه يساهم في تفعيل العمل الرقابي على أكثريّة تحكم.