بقلم رياض عيسى
البلديات هي القلب النابض للسلطات المحلية والوجه الأبرز للإدارة اللامركزية.
إنها المؤسسة الأقرب إلى المواطن، والأكثر قدرة على تلبية احتياجاته اليومية، من صيانة الطرق والحراسة والتنظيم المدني، إلى جمع النفايات والثقافة والحراسة والحدائق العامة وتنظيم السير وضبط المخالفات وغيرها، إلى تقديم الخدمات التي تجعل حياة المواطنين أكثر كرامة واستقرارًا.
في لبنان، حيث تشكل البلديات حجر الزاوية في التنمية المحلية، خاصة بعد الحرب المدمرة التي عصفت بلبنان، فقد أدى الفراغ الرئاسي، وتعطيل الحكومات والحروب، وتأجيل الانتخابات البلدية، إلى ضرب هذا الدور الحيوي، مما جعل المواطنين يدفعون الثمن الأكبر .
تعطل البلديات: ثمن باهظ يدفعه المواطنون
لقد تركت الأزمات المتعاقبة آثارًا كارثية على البلديات. فمع غياب الانتخابات وتأجيل الاستحقاقات، تعطلت العديد من البلديات، واستقالت مجالسها، وأصبحت المؤسسات التي كانت تمثل خط الدفاع الأول عن حقوق الناس غائبة أو عاجزة. هذا الواقع أدى إلى توقف الخدمات الأساسية وزيادة الفساد والهدر نتيجة غياب الرقابة والمساءلة.
ضرورة إصدار قانون بلديات جديد
اليوم، وفي ظل وجود رئيس جديد للجمهورية ورئيس مكلف للحكومة ما شكل أملاً عند اللبنانيين، فقد آن الأوان لتصحيح المسار. حيث يجب على السلطة السياسية أن تتحمل مسؤوليتها بضرورة إقرار قانون جديد للبلديات، يعزز دورها، ويمنحها استقلالية مالية وإدارية تمكنها من أداء مهامها بفعالية. فالقوانين الحالية لم تعد تواكب متطلبات العصر، وأثبتت قصورها في مواجهة التحديات الاقتصادية والإنمائية الحالية.
إجراء الانتخابات البلدية: ضرورة لا تقبل التأجيل
لا يمكن القبول بتأجيل الانتخابات البلدية مرة أخرى. إن إجراؤها في موعدها المقرر في ربيع أو صيف 2025 ليس مجرد استحقاق قانوني ودستوري، بل هو واجب وطني لضمان استمرار العمل البلدي. الانتخابات تعني تجديد الدماء في المجالس البلدية، وضخ الكفاءات والخبرات الجديدة، وتفعيل المحاسبة الشعبية التي تعد الضمانة الأكبر للشفافية.
اللامركزية الإدارية: الإصلاح المنتظر
إلى جانب قانون البلديات، يجب أن تكون اللامركزية الإدارية جزءًا أساسيًا من الإصلاحات. فاللامركزية تتيح للمناطق إدارة شؤونها بشكل أكثر استقلالية، وتخفف من وطأة البيروقراطية المركزية. إنها السبيل لبناء دولة حديثة تتسم بالشفافية والكفاءة، حيث يستطيع كل قضاء أو منطقة اتخاذ القرارات التي تلبي احتياجاتها مباشرة دون العودة إلى المركز.
ختامًا، إن إعادة تفعيل البلديات من خلال إقرار قانون جديد وإجراء الانتخابات في موعدها هو خطوة أساسية للخروج من الأزمات المتراكمة. فالبلديات ليست مجرد مؤسسات إدارية، بل هي الجسر الذي يصل بين الدولة والمواطن. إنها ركن أساسي في بناء لبنان الجديد، الذي يحلم به الجميع: لبنان الشفافية، التنمية، والعدالة.
لذا، نحن أمام مسؤولية تاريخية، ونأمل أن تتحرك السلطة السياسية بسرعة لتدارك الأوضاع، لأن الانتظار لم يعد خيارًا.