هل تطيح عقدة وزارة المال بـ إتفاق الطائف ؟

كتب يوسف مرتضى

فُرِضَ نواف سلام رئيسًا مكلفًا من خارج منظومة الحكم الفاسدة. فالزخم الشعبي الذي أحدثه انتخاب العماد جوزف عون رئيسًا للجمهورية، أسهم بقوة في استنهاض قوى التغيير داخل البرلمان وخارجه، الذين اندفعوا باستخدام جميع وسائط الديمقراطية المتاحة لإحباط إعادة تكليف نجيب ميقاتي، حمايةً للعهد وانطلاقته الناجحة من جهة، ولفرض تشكيلة حكومية تحوّل خطاب القسم إلى برنامج قابل للحياة من جهة أخرى.

فتبنوا ترشيح نواف سلام بما يتحلى به هذا الرجل من مواصفات علمية ومناقبية وطنية وأخلاقية وإنسانية، حيث نجحت حملاتهم بتكليفه بأكثرية ٨٥ صوتاً مقابل ٩ أصوات لمنافسه ميقاتي، ما شكل مفاجأة صادمة لأركان المنظومة بكل مكوناتها.

المنظومة مصابة بدوار البحر

ارتبكت المنظومة وأصيبت بالدوار البحري، بعدما جنح قاربها بشكل مفاجئ بسقوط قبطانها دون سابق إنذار. أمام الرئيس المكلف الذي أعلن هويته الدستورية في خطابه بعد التكليف، حيث أكد التزامه بما نص عليه الكتاب “الدستور”، في سيرورة عمله الحكومي المستقبلي بدءًا من تشكيل الحكومة، وتطبيق القرار الأممي ١٧٠١ بكل مندرجاته، والتعهد بالإسراع بإعادة الإعمار وإعادة النازحين إلى منازلهم. وكانت أولويته الثانية التي ركّز عليها في خطابه، هي استقلالية القضاء لفتح باب المحاسبة على مصراعيه. لقناعته الراسخة بأن لا دولة من دون محاسبة.

شياطين المنظومة أمام قدسية الرئيس المكلف

لكن ثمة مجموعة من العوامل السلبية قد انتصبت بسبب ذلك في مواجهة الرئيس المكلف، وبزعم أصحابها من أركان المنظومة، قد يؤدي الرضوخ لها، إما إلى تدجين مضمون خطابي الرئيس المكلّف ورئيس الجمهورية، وإبقائهما حبرًا على ورق، أو إحراج الرئيس المكلّف وإخراجه.

ما هي أهم هذه العوامل، وكيف السبيل لإحباطها، والنفاذ بحكومة على صورة الرئيسين ومثلهما، وتحاكي مصالح الشعب والوطن؟

١- انتقال بعض القوى السياسية من موقع المعارض إلى موقع الموالي للرئيس المكلّف بعد تسميته (القوات والكتائب والتيار الوطني الحر).

٢- انتقال الثنائي الشيعي وحلفائه من المقاطعة إلى الرغبة بالمشاركة في الحكم.

٣- تحوّل مشهد تشكيل الحكومة إلى صورة مشابهة للتشكيلات السابقة من حيث الشكل أولًا، أي بصورة حكومة وحدة وطنية، ما ينسف أهم ركائز الديمقراطية، التي تقوم على مبدأ الموالاة والمعارضة، وثانيًا تنسف بالمضمون وظيفة السلطة التشريعية في المراقبة والمحاسبة إذا اتجهت الكتل لتسمية من تريد من وزارات، فتتحول الحكومة إلى مجلس نيابي مصغّر.

٤- إصرار الرئيس بري على تولي الثنائي حقيبة المالية بتعليل غير صحيح يرتبطه باتفاق الطائف، ما قد يفتح الباب عند قوى آخرى متربّصة بدستور الطائف أصلًا، إلى الدعوة للخروج من اتفاق الطائف، وتدغدغ البعض في هذه الحالة هواجس استعادة صلاحيات رئيس الجمهورية كما كانت قبل الطائف، أو الدعوة للفدرلة والتقسيم، ما قد يدفع بالبلاد إلى الفوضى والحرب الأهلية، وهذا ليس في مصلحة اللبنانيين ولا يريده أحد لا في الداخل ولا في الخارج.

٥- إن الخروج من هذا الفخ يستدعي التعاون بين الرئيس المكلّف ورئيس الجمهورية مستفيدين من الزخم الشعبي والدعم الدولي والعربي لهما وللبنان، لإخراج تشكيلة حكومية منتجة وفق الأصول الدستورية باستخدام المعايير ذاتها بتمثيل مختلف المكونات الطائفية وليس الحزبية. وعدم تكريس أي حقيبة لأي مكون طائفي، مع الرفض الكامل للأسباب التخفيفية التي أوردها الدكتور جعجع في حديث تلفزيوني بمراعاة ما تعرّض له فريق الثنائي بنتيجة العدوان الصهيوني الأخير على لبنان. ليبقي حقيبة المالية في عهدة شيعي بعيدًا من الثنائي ولكن غير معارض له!

وزراء غير حزبيين من اختيار الرئيسين

ولكن أرى في ذات الوقت ولقطع الطريق على الذين يضعون العصي بدواليب تشكيل الحكومة، ضرورة الأخذ بعين الاعتبار ما تقدمه المكونات الحزبية من ترشيحات من ضمن سلة ترشيحات أخرى يختار الرئيس المكلّف منها أفضل الكفاءات لتكوين تركيبة حكومية ذات شأن، ويسودها الانسجام التام. لتتمكن من القيام بمهامها بالسرعة المطلوبة التي تحتاجها أزمات البلد المتعطشة للحلول، وبعيدًا عن اضطرار الوزراء للخروج من الاجتماعات لتلقي التوجيهات من المرجعيات كما كان يحصل في الحكومات السابقة.

وأخيراً من وجهة نظري، فليقدم الرئيس المكلف بالتفاهم مع رئيس الجمهورية، إلى إعلان تشكيلة الحكومة بأسرع وقت ممكن، باستخدام البراغماتية الدستورية، وبعيدًا عن البراغماتية التحاصصية المقيتة والمميتة، لقطع الطريق على أصحاب النوايا السيئة، الذين حسب اعتقادي باتوا أعجز من أي وقت مضى في فرض خياراتهم على البلاد والعباد.

About The Author

اخترنا لك