شيخوخة “حزب الله”

بقلم مروان الأمين

منذ الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار لحربٍ أصابت “حزب الله” بخسائر زلزلت تنظيمه السياسي والعسكري، يسعى “الحزب” بشتى الوسائل للخروج على الرأي العام برسالتين: “الحزب” لا يزال قوياً، وقد حققنا النصر.

لكنّ النصر، كما الهزيمة، لا يحتاج إلى شرح. إنّه شعور جماعي. هذا الشعور أقوى من الحِجّة والدليل، ومتى انكسر، يتطلب وقتاً طويلاً وجهوداً كبيرة على مستويات مختلفة لإعادة ترميمه، وبشكلٍ خاص على مستوى الخطاب السياسي، وإعادة الإعمار، والدور في السلطة.

الخطاب السياسي

فشل “حزب الله” في إعادة ترسيخ صورة “الحزب” القوي والمنتصر بعد الحرب. إذ بدت الفجوة واضحة بين السيد حسن نصرالله والشيخ نعيم قاسم لجهة الكاريزما والحضور والقدرة على التأثير وسحر الجمهور.

ظهر الشيخ قاسم في العديد من إطلالاته بصورة الضعيف في الحجّة والمنهك في الشكل. وفي إطلالات أخرى، اتّسم حضوره بالهامشية وعدم الإلمام بالملفات والمسارات الأساسية. سيّما في آخر إطلالاته التي تناول فيها موضوع تمديد مهلة الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب، فكانت بمثابة فضيحة إعلامية وسياسية له ولفريق العمل ولـ “الحزب”، ما أثار تساؤلات حول مستوى التحضير والاحتراف والجدّية.

لا شكّ أنّ إطلالات الشيخ نعيم قاسم جاءت بنتائج عكسية تماماً لما كان يُراد منها، إذ عمّقت من شعور الإحباط لدى الجمهور، وكشفت عن حجم الخسارة وحالة الضعف والترهّل التي بات “الحزب” يعاني منها.

إعادة الإعمار

كان السيّد نصرالله، قد تعهّد بإعادة بناء المنازل بشكل أفضل ممّا كانت عليه، إلّا أنّ الشيخ قاسم تنصّل من هذا التعهّد، وأحال ملف إعادة الإعمار إلى الدولة.

هذا الموقف أثار حالة من القلق والاستياء في الأوساط الشيعية، خاصةً مع مرور أكثر من ستين يوماً على وقف إطلاق النار، دون حصول غالبية المتضررين على تعويضات بدل إيواء.

إخفاق “حزب الله” في الالتزام بملف التعويضات، مع حديث عن تفشي المحسوبيات في توزيع التعويضات، شكّل ضربة معنوية لمكانته الرمزية وهيبته السياسية. وقد أتاح هذا العجز مساحة لظهور مواقف نقدية علنية غير مألوفة، تتمحور حول قرار “الحزب” خوض الحرب وما تبعها من تداعيات، وتراجعه عن تحمّل مسؤولية تبعاتها الاجتماعية والاقتصادية. هذا التحوّل يعكس بداية تآكل في شرعية ودور “الحزب” كحامٍ ومدافعٍ عن مجتمعه في مواجهة الأزمات.

الدور في السلطة

الزلزال الذي ضرب “حزب الله”، سواء على مستوى استهداف بنيته العسكرية أو اغتيال قادته، وفي مقدّمهم السيد حسن نصرالله، أحدث تحوّلاً عميقاً في دوره وتأثيره على المشهد السياسي الداخلي. فقد تراجعت قدرة “الحزب” على فرض خياراته السياسية، حيث فشل في إيصال مرشحه سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية، واضطر للموافقة على انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية، حمل معه خطاب القسم مناقضاً لخيارات “الحزب” طوال فترة تحكّمه بالقرار السياسي.

التراجع الأبرز ظهر مع نجاح المعارضة في إسقاط مرشح “الحزب” لرئاسة الحكومة، نجيب ميقاتي، وتكليف القاضي نواف سلام بدلاً منه لتشكيل الحكومة. هذا التطور دفع النائب محمد رعد إلى الإدلاء بتصريح من قصر بعبدا، بدا عليه التوتر والارتباك، في مؤشر واضح على فقدان “الحزب” قدرته على السيطرة والتحكم بالمشهد السياسي كما في السابق.

كلّ هذه المؤشرات تدلّ على أنّ سياسة التسلّط والتحكّم دخلت في مرحلة شيخوخة تفرض على “الحزب” التكيّف مع هذا الواقع الجديد. أمّا حالة الإنكار، فلن تؤدي إلّا إلى تفاقم في ميزان خسائره.

About The Author

اخترنا لك