الدراجات النارية في لبنان : بين الحاجة والفوضى…

ضرورة لتنظيم الملف وضبط المخالفات

بقلم رياض عيسى

تشهد شوارع لبنان انتشارًا غير مسبوق للدراجات النارية، التي أصبحت وسيلة نقل أساسية للكثير من المواطنين، وذلك في ظل غياب سياسة نقل عام فعالة وارتفاع كلفة النقل الخاص، إضافة إلى سهولة التنقل في زحمة السير، وتدني أسعار هذه الدراجات مقارنة بالسيارات، وسهولة إيجاد موقف لها في المدن المزدحمة. هذه العوامل دفعت عشرات لا بل مئات الآلاف من اللبنانيين إلى اقتناء الدراجات النارية، إلا أن غياب التنظيم والمراقبة الصارمة جعل من هذه الظاهرة مشكلة خطيرة تهدد السلامة العامة وتفتح المجال أمام استغلالها في أعمال غير قانونية.

واقع الدراجات النارية في لبنان

رغم محاولات الحكومات المتعاقبة ضبط هذا الملف، إلا أن السياسات الأمنية بقيت عاجزة عن تنظيم قطاع الدراجات النارية، حيث أن:

عددًا كبيرًا من الدراجات غير قانوني: بعضها غير مسجل رسميًا، وبعضها الآخر قد يكون مسروقًا أو دخل إلى البلاد بطرق غير شرعية.

تجاهل قوانين السير: عدد كبير من سائقي الدراجات لا يلتزمون بقواعد السير، مثل احترام الإشارات المرورية، القيادة بعكس السير، عدم ارتداء الخوذة، أو حتى تجاوز السرعات المحددة.

تهديد السلامة العامة: ضعف الثقافة المرورية عند بعض السائقين وغياب دورات التوعية يؤديان إلى حوادث خطيرة، حيث تشكل الدراجات نسبة كبيرة من ضحايا حوادث السير في لبنان.

استخدامات غير مشروعة: باتت الدراجات النارية أداة فعالة لارتكاب الجرائم، من السرقة إلى تجارة المخدرات، نظرًا لسهولة الهروب وصعوبة ملاحقتها في الشوارع الضيقة والمناطق المكتظة.

الاستعراض الأمني والتوتير السياسي: في بعض الأحيان، يتم استغلال الدراجات النارية في استعراضات مسلحة ومسيرات حزبية تستفز السكان وتخلق حالة من الخوف وعدم الاستقرار.

ظهور “التوك توك” كوسيلة نقل عشوائية: مؤخرًا، بدأت ظاهرة جديدة بالظهور، وهي استخدام “التوك توك” كوسيلة نقل للركاب، دون أي تنظيم أو رقابة، ما يزيد من الفوضى في قطاع النقل.

الحلول المطلوبة : نحو تنظيم شامل لقطاع الدراجات النارية

إن تنظيم ملف الدراجات النارية في لبنان يجب أن يكون على رأس أولويات الحكومة العتيدة، عبر تنفيذ خطة متكاملة تشمل:

تشديد إجراءات التسجيل والفحص الفني: فرض تسجيل إجباري لجميع الدراجات، والتأكد من مطابقة الدراجات المستوردة والمستعملة لمعايير السلامة.

إلزامية الحصول على رخصة قيادة: يجب فرض امتحان قيادة خاص لسائقي الدراجات، يتضمن تدريبًا على قواعد المرور وإجراءات السلامة.
تشديد العقوبات على المخالفين: تغريم السائقين الذين لا يلتزمون بالقوانين، وخاصة أولئك الذين يقودون بدون خوذة، أو يتجاوزون الإشارات، أو يستخدمون دراجات غير مسجلة.

مكافحة الاستخدام غير المشروع: تعزيز الرقابة على استخدام الدراجات في الجرائم وملاحقة الشبكات التي تستخدمها لأغراض غير قانونية.

تنظيم قطاع “التوك توك”: وضع إطار قانوني لهذا النوع من النقل لضمان سلامة الركاب ومنع استخدامه بشكل فوضوي.

حملات توعية للسائقين: إطلاق حملات إعلامية وإرشادية لتعريف السائقين بقوانين السير وأهمية الالتزام بها لحماية أنفسهم والآخرين.

تعزيز دور شرطة السير: تخصيص دوريات أمنية أكثر لمراقبة الدراجات النارية والتأكد من التزامها بالقانون.

بالخلاصة، الدراجات النارية أصبحت واقعًا في لبنان، وهي وسيلة نقل أساسية لا يمكن تجاهلها، لكنها تحتاج إلى تنظيم صارم لضمان سلامة المواطنين ومنع استغلالها في الجرائم والفوضى الأمنية.

إن معالجة هذا الملف يجب أن تكون من الأولويات الملحّة للحكومة الجديدة، بعيدًا عن التساهل أو الحلول الترقيعية، وذلك من خلال فرض القوانين بجدية، والتعامل مع هذه الظاهرة بما يخدم المجتمع ولا يعرّضه لمزيد من الفوضى والخطر.

About The Author

اخترنا لك