وراء كل عقدة… عقدة أخرى

بقلم أنطونيو فرحات
@farhatantonio

ما إن تذلّل عقدة حتى تلوح بالأفق عقدة جديدة. فبعد عقدة انتخاب رئيس الجمهوريّة وتكليف رئيس الحكومة ها هي عقدة الثقة تلوح بالأفق، مع ما تتضمّنه من تأويل وتفسير لمهلة الثلاثين يوماً.

نصّت المادة 64 من الدستور الفقرة 2 “يجري رئيس الحكومة الاستشارات النّيابية لتشكيل الحكومة ويوقّع مع رئيس الجمهوريّة مرسوم تشكيلها. وعلى الحكومة أن تتقدّم من مجلس النوّاب ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يوماً من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها”.

وعليه، تبرز إشكاليّة حول مهلة الثلاثين يوماً، فالبعض يرى أن المهلة هي مهلة إسقاط والبعض الآخر يرى أن المهلة هي مهلة حثّ.

فبحسب رأي القائلين إن المهلة المنوّه عنها آنفاً هي مهلة إسقاط، يعتبر هؤلاء أن المادّة ذكرت عبارة “على الحكومة” أي أنه يفترض أو بمعنى آخر أن الحكومة ملزمة بهذه المهلة تحت طائلة اعتبارها مستقيلة.

أمّا رأي القائلين إن المهلة المذكورة أعلاه هي مهلة حثّ فيعلّل هؤلاء رأيهم أن كلمة “على” هي لحثّ الحكومة على إنجاز بيانها الوزاري في مهلة محدّدة تجنّباً للمماطلة ولئلّا تمتدّ مرحلة تصريف الأعمال إلى أمد طويل بلا ضوابط. وبالتالي لا يمكن اعتبار أو تفسير كلمة “على” على أنها تعني أن الحكومة تعتبر مستقيلة حكماً في حال انقضاء المهلة المذكورة.

أكثر استفاضة، تعمّد المشترع ألا يذكر أنه مع انقضاء المهلة تعتبر الحكومة مستقيلة حكماً وهذا الأمر ليس سهواً وإنما عن قصد لأنه افترض عدم تمكّن الحكومة من إنجاز بيانها الوزاري في ثلاثين يوماً إما بسبب القوّة القاهرة وإمّا بسبب ظرف استثنائي وطارئ ومن تلك الأسباب المفترضة الأزمة السّياسيّة أو الخلاف السّياسي بين مكوّنات الحكومة حول بعض بنود البيان الوزاري.

وبالفعل وبعد عام 2005 وعند تشكيل أي حكومة يتراشق الأفرقاء السياسيّون التهم في ما بينهم مبرّرين سبب عدم التسريع بتشكيل الحكومة إما بسبب الحصص والمكاسب والمغانم التي يتمنّون تحصيلها وإما بسبب بنود البيان الوزاري المرتقب تبنّيه، الأمر الذي يدفع غالباً إلى تأخير عمليّة التأليف أو قد يكون سبباً للتأخير لنيل الحكومة الثقة في المجلس النيابي.

أكثر استطراداً، لم يلزم المشترع رئيس الحكومة المكلّف مهلة لتشكيل حكومته وهذا الأصل، فكيف يمكن أن يتشدّد بالنسبة إلى تقديمها البيان الوزاري؟ أمر غير منطقي.

بناءً على ما تقدّم، إن مهلة الثلاثين يوماً هي مهلة حثّ من الناحية الدستوريّة القانونيّة، غير أنه يتوجّب على الكتل البرلمانيّة والأحزاب هذه المرة ألا تتدخل وألا تعمد إلى فرض تشكيلة حكومية من خلال فرض شروط وشروط مضادة لتحصيل وزارات خلافاً لما ينصّ عليه الدستور، لا سيّما أن تشكيلها بالأساس منوط حصراً برئيس الجمهوريّة بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء.

بالنتيجة، لقد عانى الشعب اللبناني ودفع أثماناً باهظة نتيجة الحكومات الائتلافية التي هي كناية عن حكومات تحاصصيّة، وينتظر اليوم ولادة حكومة حقيقيّة، حكومة تعكس آمال اللبنانييّن وتطلّعاتهم، ينتظر اليوم تشكيلة حكوميّة تشكّل صدمة إيجابيّة في المجتمع، وهذا الأمر لا يمكن أن يحصل بالنَفَس التحاصصي، ولا بالعدّة القديمة، ولا من خلال فرض مكاسب أو تشريع حقائب خلافاً لما نصّ عليه الدستور.

وعليه، فليشكّل رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف الحكومة نظراً للكفاءات والأهليّة وليضعا المجلس النيابي أمام مِجهر الاختبار الحقيقي تجاه ناخبيهم فزمن عدم المساءلة قد ولّى والانتخابات النيابيّة المقبلة تحت مجهر المحاسبة الشعبيّة.

About The Author

اخترنا لك