المدينة الرياضية

يوم اقتنيت أول راديو كاسيت، جاء والدي بشرائط حفلة دير القلعة ـ بيت مري، التي جمعت جوقتي “خليل روكز” و” زغلول الدامور”، أطال الله بأعمار كبارهما الثلاثة: جريس البستاني وطليع حمدان وموسى زغيب. حفظت غيباً، كما لم أحفظ ربع مادة في سنوات دراستي، محاورات الشعراء الثمانية.

سنة بعد موقعة بيت مري ( 1971) غطّت صور شعراء الزجل السيارات والـ”بواسط” وواجهات المحال التجارية وفاقت بكثافتها صور المرشحين للانتخابات النيابية (نيسان 1972). معركة عبدالله اليافي وراء اللبنانيين وأمامهم “أيدوا السيد محمد المصطفى” و”معك حنا موسى” و”أصدقاء عبد الجليل وهبه” و”أنصار أسعد سعيد”.

ذات صباح بكرنا بالتوجّه إلى الجنوب قبل سطوع الفجر. وبمرورنا أمام مدينة كميل شمعون الرياضية لاحظت أن الناس تخرج من البوابات. سألت والدي” شو صاير ليش العجقة؟ أجاب “بتكون هلّأ خلصت الحفلة” حفلة الزجل.

كنت صغيراً على رصد الأحداث الزجلية الكبرى وتحليل أبعاد كل ردّة معنّى وكل قصيد، لكن أن يأتي إليك الحدث الرياضي المدوي على تلفزيون الجيران، فتلك مسألة أخرى. دورة الأخوين جان وأندريه سعادة هي الحدث. في الصالون الضيق رقصت قلوبنا نحن الشباب الصغار (ولنا الغد) مع موسيقى استعراض الأبطال وتضرعت الجارة إلى باقة من القديسين استثنت منهم مار متر كي لا يطحن داني لانش خصمه.

شخصياً ما كنت أفهم مسألة “الأدرينالين” في الجسم كل ما أحسسته أن لبيب بطرس رفع منسوب حماستي إلى الدرجة القصوى ويبدو أن ما كان يتفاعل في كياني ورأسي هو الأدرينالين بحد ذاته.

وأذكر ـ وفي التذكّر خيانة للوقائع ـ أن أولى ليالي التحدي في المدينة الرياضية كانت تنتهي بصعود الأمير المنصور جان سعادة متوعداً بالانتقام لأولى ضحايا الجرّافة الأميركية داني لانش في الليلة التالية.

وداني متل إجرو. وحش بشري. ما فارقة معو لا الأخوين سعادة ولا برنس كومالي، ولا اتحاد المصارعين المحترفين، ولا حتى الفرقة 16 التي كانت تشارك في المواجهات خارج الحلبة فتتحطم الكراسي على الرؤوس كيفما اتفق.

وباقٍ في رأسي بعد 50 سنة، أن في يوم الأحد 6 نيسان 1975، شهدت المدينة الرياضية حدثاً ظل لأيام حديث البيت والمدرسة والدكنجي، بيليه يلعب مع فريق النجمة ويخوض مع جمال الخطيب وحبيب كمونة ويوسف الغول ورفاقهم مباراة ودية في مواجهة فريق جامعات فرنسا.

ستون ألف لبناني يتقدمهم رئيس مجلس النواب كامل بك الأسعد، ورئيس الحكومة رشيد الصلح وثلة من الوزراء صفقوا للملك. بعد أسبوع بالتمام والكمال، بدأ الجزء الأول من مسلسل حروب لبنان. كلّ أحد وأنتم بخير.