بقلم محمود شعيب – كاتب وناشط سياسي
أنا ابن هذه الطائفة، شيعي الهوية، لبناني الانتماء، وطني الهوى. لم أعد أرى في هذا الاصطفاف الأعمى سوى خراب يحرقنا قبل غيرنا. لم أعد أستطيع الصمت، لأن الصمت بات خيانة للحق، خيانة للبنان الذي يُدمر باسم المقاومة، وللشيعة الذين صاروا رهائن لمشاريع أكبر منهم، مشاريع لا تبالي بمصيرهم ولا بمستقبل أبنائهم.
لقد دفعنا أثمانًا باهظة في سبيل مغامرات لا علاقة لها بلبنان. منذ عقود، ونحن نُساق إلى حروب لا تنتهي، إلى مواجهات لا مصلحة لنا فيها، وإلى عداء مع محيطنا العربي والدولي. كم من الشباب قُتلوا في حروب الآخرين؟ كم من العائلات تشردت؟ كم من البيوت دُمّرت؟ كم من الأرزاق سُرقت؟ كم من الفرص ضاعت، وكم من المستقبل تمّت التضحية به في سبيل مشروع توسعي إيراني يرانا مجرد أدوات؟
إننا اليوم أمام لحظة مفصلية. ليس سرًا أن لبنان يتهاوى اقتصاديًا واجتماعيًا، بينما نحن كشيعة لبنانيين تحولنا إلى عنوان للقطيعة مع الداخل والخارج، وصِرنا في عزلة قاتلة، فيما قيادتنا لا ترى في استمرار المواجهة والارتهان للخارج خيارًا وحيدًا. فهل هذا هو المصير الذي نقبل به لأنفسنا ولأولادنا؟ هل نرضى أن نبقى وقودًا لحروب لا نهاية لها، بينما إيران تفاوض على مصالحها، وإسرائيل تبني اقتصادها، والعالم يتقدم؟
علينا أن نكون صريحين مع أنفسنا: مشروع “حزب الله” اللا وطني لم يحقق لنا سوى القتل والدمار والخراب والعزلة والخوف والفقر والجهل. لم يعد هناك شيء اسمه “مقاومة” كما كانت في التسعينيات، بل أصبحنا مجرد أداة في يد مشروع إيراني يستخدم لبنان ساحةً في صراعه مع الغرب والخليج وإسرائيل، حتى لو كان الثمن تدمير بلدنا بالكامل.
لا خلاص لنا إلا بالعودة إلى الدولة اللبنانية. هذه الدولة التي حاولوا تشويهها وتفريغها وتحويلها إلى كيان عاجز وجيش خائن أو غير قادر. الدولة اللبنانية هي وحدها ضمانتنا، وجيشنا بشرعيته هو حمايتنا. لا إيران ولا أي قوة خارجية ستحمينا عندما تحين لحظة الانتقام والحساب. إذا استمررنا في هذا الطريق، سنجد أنفسنا أمام سيناريوهين: إما أن نُسحق إيرانيًا ونصبح مجرد تفصيل في حسابات الحرس الثوري، أو نُسحق إسرائيليًا عندما تقرر إسرائيل أن وقت المواجهة الكبرى قد حان. في الحالتين، نحن الخاسرون.
لذلك، دعوتي لكل شيعي لبناني حر: آن الأوان لنستعيد قرارنا، لنخرج من لعبة الاستنزاف المستمرة، لننخرط في بناء الدولة بدل تدميرها. إنقاذ لبنان هو إنقاذ لأنفسنا أولًا، والخيار واضح: إما لبنان، وإما الدمار. ولنبدأ التغيير بتحرير البلديات عبر المشاركة الفاعلة ترشيحًا وانتخابًا.