الى “حزب الله”… “أحبك كثيرًا، لكنني لم أعد معجبًا بك”

بقلم بلال مهدي – خاص بوابة بيروت

العلاقات العاطفية مليئة بالتناقضات التي قد تبدو مستحيلة الفهم للوهلة الأولى. فكيف يمكن لشخص أن يحب آخر بجنون، لكنه في الوقت نفسه يجد نفسه عاجزًا عن تقبله أو حتى عن الإعجاب به ؟ أليس الحب والإعجاب متلازمين ؟

في الواقع، ليست كل المشاعر تسير بخط مستقيم، فالعلاقات أكثر تعقيدًا مما نتصور. قد يبقى الحب قائمًا، لكن شيئًا ما ينكسر في الطريق مثل الاحترام، الانسجام، أو ببساطة ذلك الشغف الذي كان يجعل العلاقة حية.

في فيلم “One Day”، تنطق البطلة بجملة تعكس هذا التناقض العاطفي العميق : “I love you so much… I just don’t like you anymore.”، أي “أحبك كثيرًا، لكنني لم أعد معجبة بك.”

هذه العبارة أثارت تفكيري طويلًا، بدت لي غير منطقية. كيف يمكن لإنسان أن يحمل كل هذا الحب لشخص ما، ثم يجد نفسه غير قادر على تحمله؟ لكن مع مرور الزمن، أدركت أن هذا الشعور مألوف أكثر مما نعتقد. فحين تتغير التصرفات والمواقف، قد يبهت الشغف، حتى لو ظل الحب عالقًا في الذاكرة. أحيانًا، يبقى الحب كأثر قديم، لكنه لا يكفي ليمنح العلاقة حياة جديدة.

هذا تمامًا ما حدث مع المقاومة في لبنان. قبل عام 2000، كان حب اللبنانيين للمقاومة غير مشروط، نابعًا من قناعة راسخة بأنها المظلة التي تحمي الجنوب وتعيد الأرض لأهلها.

حينها كان الشعور الوطني في أوجه، والالتفاف الشعبي حولها بلا حدود، حيث لم تكن المقاومة حينها مجرد تنظيم مسلح، بل كانت أملًا جماعيًا في الخلاص من الاحتلال الصهيوني.

لكن بعد حرب 2006، تغير المشهد تدريجيًا. وجد الناس أنفسهم أمام مقاومة باتت تخوض حروبًا لا تخص لبنان بقدر ما تخدم أجندات خارجية.

فقد زج الحزب مشروع المقاومة بالمحاور الإقليمية، وأصبح السلاح، الذي كان يومًا رمزًا للتحرير، أداة للهيمنة الداخلية، تستخدم لترهيب الشركاء في الوطن بدلًا من توجيهها نحو العدو الحقيقي. لم يعد اللبنانيون يرون في الحزب ذلك الكيان النقي الذي عرفوه قبل التحرير. باتوا يرونه طرفًا في صراعات سياسية، وحامي لمنظومة الفساد التي دمرت الاقتصاد وأفقرت الناس.

آخر هذه الحروب كانت “حرب الإسناد”، التي لم تحقق انتصارًا حقيقيًا، بل ألحقت بالحزب خسائر كبرى، أفقدته تسلسله الهرمي القيادي وأعادته إلى نقطة ما “تحت الصفر” من حيث التنظيم والسيطرة. أما الشعب، فقد أعلن رفضه لاستمرار هذه الحروب العبثية في الجنوب، بعدما أدرك أن دماء أبنائه تُسفك في سبيل مشاريع إيرانية لا علاقة لها بلبنان.

اليوم، وبعد كل ما جرى، يعود الشيعة إلى وطنهم الحقيقي، لبنان، ويتركون “ولاية الفقيه” التي لم تجلب لهم سوى الدمار والعزلة. لم يعد التهديد والضغط يجدي نفعًا، ولم تعد الشعارات الفارغة قادرة على خداع الناس. الحزب الذي كان يومًا ملاذًا وملهمة، أصبحت عبئًا يخشى الجميع كلفته.

وإذا استمر هذا النفاق، وأصر القادة الحاليون على تجاهل حقيقة التحولات الجارية، فإن الأمور قد تصل إلى الحد الذي لن يكون فيه سحب سلاح الحزب خيارًا داخليًا، بل فرضًا دوليًا بموجب الفصل السابع.

عندها فقط، سيتحقق الانتصار الذي يتحدث عنه قادة الحزب، ولكن ليس كما يتصورون. إنه انتصار لبنان على سلاح لم يعد يحميه، بل يسلبه سيادته وقراره الحر.

اخترنا لك