لبنان الأخضر وأزمة النفايات : بين محارق الكهرباء وحلول مستدامة
“الأرض لا تُورث عن الآباء، بل تُستعار من الأبناء”
إعداد كوثر شيا
في ظل تفاقم أزمة النفايات في لبنان، تتصاعد النقاشات حول الحلول الممكنة التي تجمع بين معالجة النفايات وإنتاج الطاقة، مع ضرورة حماية الصحة العامة والبيئة. يعتمد الحل الأمثل على رؤية شاملة تُدمج بين تجارب ناجحة على الصعيد المحلي والعالمي وبين خطط حكومية متكاملة تُشرك الوزارات والبلديات والمؤسسات المحلية ضمن إطار إداري منظم يضمن استدامة الحلول.
المحارق: حل سريع أم كارثة صحية؟
أعلنت وزيرة البيئة تمارا الزين عن ضرورة إنشاء محرقة واحدة لتحويل النفايات إلى طاقة، مستندةً إلى تجارب ناجحة في دبي، معتبرةً أن هذه التقنية تُعد حلاً عمليًا لإنتاج الكهرباء والتخلص من النفايات. غير أن العديد من الخبراء البيئيين، وعلى رأسهم المهندس البيئي زياد أبي شاكر، يحذرون من المخاطر البيئية والصحية المرتبطة بالمحارق، مشيرين إلى أن هذه التقنية قد تُنتج موادًا شديدة السمية مثل الديوكسين والزئبق، والتي تُسبب أمراضًا خطيرة، بما في ذلك السرطان، وتؤثر على الجهاز العصبي والمناعي، خاصة إذا لم تُدار بتقنيات متقدمة وبمراقبة صارمة.
المخاطر الرئيسية للمحارق :
• انبعاث غازات سامة حتى مع استخدام الفلاتر، كما حدث في اليابان والولايات المتحدة، حيث تم إغلاق آلاف المحارق بسبب التشريعات البيئية الصارمة.
• إنتاج رماد سام يحتوي على معادن ثقيلة، مما يزيد من تكلفة معالجته ويُعقّد إدارة النفايات.
• تلوث التربة والمياه الجوفية بالمواد الكيميائية الخطرة، ما يشكل خطرًا على الصحة العامة.
• تمركز المحارق في مناطق سكنية يؤدي إلى انتشار التلوث البيئي وتأثيره المباشر على السكان المجاورين.
بدائل مستدامة : تجارب ناجحة في لبنان
إن الحل لا يكمن في الاعتماد على تقنية واحدة، بل في مزيج من الاستراتيجيات التي تراعي خصوصيات كل منطقة، لتحقيق توازن بين الإنتاج والتنمية البيئية:
1. الفرز من المصدر وإعادة التدوير
• في جبيل، وبدعم من الوكالة الأمريكية للتنمية (USAID)، تم توزيع 397 حاوية لفرز النفايات، مما رفع نسبة التدوير إلى 25% وخفّض الضغط على المكبات.
• مبادرات مثل “صفر نفايات” في بكفيا ساهمت في تقليل النفايات بنسبة 80% عبر إعادة التدوير والتحويل إلى سماد عضوي.
• دعم معامل التدوير الصغيرة، مثل معمل “ريسايكل لبنان” في البترون، الذي يعمل على إعادة تدوير البلاستيك وتحويله إلى منتجات قابلة لإعادة الاستخدام.
2. التحويل إلى سماد عضوي
• في محمية أرز الشوف، تم تصنيع فرّامات محليّة لتحويل النفايات الزراعية وأغصان الأشجار إلى سماد عضوي أو حطب للتدفئة، مما يحمي الغابات ويُنتج وقودًا صديقًا للبيئة.
• معامل مثل “Bioland” في البقاع تُنتج سمادًا طبيعيًا من النفايات العضوية، مما يقلل الاعتماد على الأسمدة الكيميائية المستوردة.
3. تقليل النفايات عند المصدر
• استبدال المواد البلاستيكية غير القابلة للتحلل ببدائل صديقة للبيئة.
• دعم الشركات الناشئة مثل “Eco-Switch” التي تقدم حلولاً بيئية مبتكرة، تشمل أكياسًا قابلة للتحلل.
4. دعم معامل إعادة التدوير في المناطق النائية
• دعم المعامل الصغيرة التي تحتاج إلى تمويل لتوسيع عملياتها، مثل معمل “Green Track” في طرابلس، الذي يُعيد تدوير الورق والبلاستيك.
• تحفيز هذه المعامل لخلق فرص عمل وتحقيق التنمية المستدامة في المناطق البعيدة عن المدن الكبرى.
إدارة المياه : من التلوث إلى الاستدامة
1. توصيل المياه النظيفة لكل بيت
• إصلاح البنية التحتية لمنع تسرب المياه الملوثة إلى شبكات الشرب.
• توزيع فلاتر تنقية على المناطق الأكثر تضررًا من تلوث المياه الجوفية.
• إقامة محطات لمعالجة المياه العادمة وإعادة استخدامها في الري بدلًا من تصريفها في البحر. ناكل خضرة نظيفة ومحصول غير..
2. منع استيراد المواد الكيميائية الخطرة
• فرض حظر على استيراد المبيدات الزراعية المسرطِنة.
• تشجيع المصانع المحلية على إنتاج منتجات زراعية آمنة بيئيًا.
الخطة للحكومة : لجنة متخصصة لتنسيق الجهود بين الوزارات لإتمام المشروع البيئي كامل
1. تشكيل لجنة حكومية لإدارة الملف
• إنشاء لجنة وطنية متخصصة تضم ممثلين عن وزارة البيئة، وزارة الصحة، وزارة الطاقة، ووزارة البلديات، وبعض الجمعيات البيئية لضمان تنسيق الجهود في معالجة أزمة النفايات.
• وضع خطة تنفيذية قائمة على تجارب ناجحة مع تحديد مهام واضحة لكل وزارة، بما يشمل الرقابة الصارمة على المشاريع المطروحة.
2. إصدار تشريعات جديدة
• سن قوانين تحظر استيراد المواد البلاستيكية غير القابلة للتحلل، وتطبيق عقوبات رادعة على المخالفين.
• إلزام المستشفيات والمصانع بمعالجة نفاياتها داخليًا وفق معايير دولية، كما أوصت اتفاقية ستوكهولم.
3. حملات توعية شاملة
• إطلاق حملات إعلامية لتوعية المجتمع بخطورة النفايات وأساليب الفرز والتدوير.
• إقامة ورش عمل لتدريب البلديات على إدارة النفايات.
• إشراك المدارس والجامعات في برامج تثقيفية لخلق وعي بيئي مستدام.
الطاقة النظيفة بدل المولدات الملوثة
1. استغلال الطاقة المتجددة
• الاستثمار في الطاقة الشمسية والرياح، خاصة أن لبنان يتمتع بـ300 يوم مشمس سنويًا.
• تحويل النفايات العضوية إلى غاز حيوي لتوليد الكهرباء، كما في مشروع “BIOGAS Lebanon” في البقاع.
نحو خطة متكاملة : الحل في الإدارة اللامركزية
1. تفعيل اللامركزية:
• معالجة النفايات على مستوى كل منطقة وفقًا لاحتياجاتها.
2. دعم البلديات:
• منحها صلاحيات مالية وإدارية لتنفيذ مشاريع الفرز والتدوير محليًا.
3. تعزيز التعاون بين القطاعات:
• إشراك المجتمع المدني، الجامعات، والقطاع الخاص في تنفيذ الحلول البيئية.
4. التحفيز الاقتصادي:
• تقديم حوافز للشركات والمبادرات البيئية لخلق فرص عمل مستدامة.
البيئة أولوية وطنية
لا يكمن الحل في الاعتماد على المحارق وحدها، بل في تبني نظام متكامل يُعالج النفايات بطرق علمية وآمنة، ويدعم المبادرات المحلية، استغلال الطاقة النظيفة، وتعزيز التشريعات البيئية.
التعاون بين الوزارات، البلديات، والمنظمات المجتمعية هو السبيل الوحيد لإنقاذ لبنان من أزمته البيئية، وضمان بيئة نظيفة للأجيال القادمة.