هل ينجح نواف سلام بترسيخ أسس الجمهورية “الثالثة“ ؟

كتب يوسف مرتضى

في 22 تشرين الأول 1989، أقر المجلس النيابي اللبناني قانون اتفاق الطائف، الذي وقّعه النواب اللبنانيون في 30 أيلول من العام نفسه في مدينة الطائف بوساطة سعودية-أميركية.

وفي عام 1990، خلال عهد رئيس الجمهورية إلياس الهراوي، وحكومة العهد الأولى برئاسة سليم الحص، أقرّ المجلس النيابي التعديلات الدستورية التي نصّ عليها اتفاق الطائف، ومنها المادة 95، التي جاء نصّها كما يلي:

على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية، وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضمّ بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية.

مهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلس النواب ومجلس الوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية. وفي المرحلة الانتقالية:

أ – تمثَّل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة.

ب – تُلغى قاعدة التمثيل الطائفي، ويُعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة، وفقًا لمقتضيات الوفاق الوطني، باستثناء وظائف الفئة الأولى وما يعادلها، حيث تكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، دون تخصيص أي وظيفة لأي طائفة، مع التقيد بمبدأي الاختصاص والكفاءة.”

مرحلة انتقالية تأخرت أكثر من اللازم

كان من المفترض أن تتحوّل هذه المادة إلى قانون في المجلس النيابي الأول المنتخب بعد الطائف على أساس المناصفة عام 1992. ووفقًا لهذه المادة الدستورية، فإن المرحلة الانتقالية لم يكن ينبغي أن تمتد لأكثر من دورة نيابية واحدة، أي حتى انتخابات عام 1996، ليُباشَر بعدها بتطبيق مضمون المادة 95 من اتفاق الطائف، وتحديدًا تحقيق نظام المجلسين، وفق ما جاء في تفسير هذه المادة.

أولى مهام الهيئة الوطنية كانت الاتفاق على الهدف، أي تحقيق إلغاء الطائفية السياسية، ما يقود إلى الدولة المدنية. أما ثاني مهامها، فكانت وضع خطة مرحلية لتحقيق هذا الهدف، بحيث تكون متكاملة، واضحة المعالم، وتنفَّذ على مراحل، بحيث يشكّل تنفيذ كل مرحلة منها شرطًا للشروع في تنفيذ المرحلة التالية.

الحاجة إلى قانون جديد للأحزاب

من نافل القول إن الخطوة الأولى في هذه الخطة المرحلية، التي يتوجب على الهيئة مناقشتها واتخاذ القرار بشأنها، هي اقتراح قانون جديد للأحزاب، يحظّر الأحزاب الدينية. كما ينبغي لهذا القانون أن يفرض على الجمعيات والأحزاب قواعد تلزمها بتحقيق تنوع مذهبي حقيقي، بحيث تكون عابرة للطوائف بالفعل، وليس بالخطابات والشعارات فقط.

إصلاح قانون الانتخابات: خطوة ضرورية

أما فيما يتعلق بقوانين الانتخابات، فيجب الالتزام الكامل بالضوابط والمعايير التي وضعها اتفاق الطائف، باعتباره خطوة نحو تحقيق إلغاء الطائفية أو على الأقل الاقتراب من مجلس نيابي منتخب خارج القيد الطائفي. فالمادة 95 واضحة جدًا من حيث أن الجهة المخوّلة بتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية هي المجلس النيابي المنتخب على أساس المناصفة. وبالتالي، فإن انتخاب مجلس نيابي خارج القيد الطائفي وتشكيل مجلس الشيوخ يجب أن يكونا جزءًا من الخطة المرحلية التي تقترحها الهيئة الوطنية.

حكومة نواف سلام وخطوة نحو التغيير

مع تشكيل حكومة نواف سلام للإصلاح والإنقاذ، يُفترض أننا اقتربنا من تحقيق هذا الهدف. ففي خطابه خلال ختام جلسة الثقة في 26 شباط 2025، تعهّد رئيس الحكومة، التي نالت ثقة المجلس بأكثرية 95 صوتًا، بتحويل المادة 95 إلى قانون، والمضي قدمًا في قانون المجلسين للانتخابات النيابية.

مخاوف من عرقلة الإصلاح

ومع ذلك، ليس من المستبعد أن تواجه خطة الرئيس نواف سلام مقاومة من أطراف المنظومة السياسية الحالية، إذ قد تتقاطع مصالحهم لإحباط أي توجه لتغيير قانون الانتخابات بما يضمن صحة التمثيل الشعبي، ويضع الأسس لبناء دولة المواطنة غير الطائفية، وهي الدولة التي كان يُفترض أن تُقام منذ عام 1996 تحت مسمى الجمهورية الثانية. إلا أن الوصاية السورية حينها انقلبت عليها، وأقامت بدلًا منها دولة المحاصصة الطائفية، التي لم تجلب للبنانيين سوى الخراب والدمار.

مسؤولية قوى التغيير

إن مسؤولية قوى التغيير اليوم تكمن في حشد الدعم لتعهدات الرئيس نواف سلام، والضغط باتجاه تطبيق الدستور دون استنسابية أو اجتزاء، بهدف وضع الأسس السليمة لبناء الجمهورية الثالثة، على أنقاض جمهورية المحاصصة الطائفية، التي أثبتت فشلها على مدى العقود الماضية.

اخترنا لك