فصل 91 إطفائيا إلى البلدية نصفهم لا يداومون

بقلم فتات عيّاد

في 4 آب 2020، أرسل فوج إطفاء بيروت “إلى الموت”، فسقط له 10 شهداء. لم يتحمل أحد إلى اليوم، مسؤولية إرسالهم لإطفاء حريق اشتعل بكمية قرابة 500 طن من نيترات الأمونيوم، فدمر ثلث العاصمة. 5 أعوام على المأساة – الجريمة، وها هم مئات “الأحياء” من الفوج يرسلون إلى مهام، يتعرضون فيها لمخاطر قد تصل إلى الموت، مع “بدل أخطار” لا يتجاوز 300 ألف ليرة، وطبابة للإصابات أثناء المهمات، بعد “تربيح ألف جميلة”. فمأساة الفوج في انفجار بيروت، لم تشفع للعناصر، بمنع كأس الانهيار عنهم، فيما تقاذف التهم بوضعهم المأسوي، سيد الموقف، لدى المحافظة والبلدية وصولاً إلى ضباطهم.

في 7 كانون الثاني الماضي، صدر بيان تحذيري عن ضباط فوج إطفاء بيروت، يدعو لرفع بدل الأخطار، وإعادة الطبابة إلى ما كانت عليه عام 2018، ورفع سن التقاعد لفوج الإطفاء، وإعطاء ترقية استثنائية لجميع عناصر الفوج وغيرها من المطالب. وما لم يكن متوقعاً، بعد عام من رفع الرسوم البلدية واستيفائها على دولار 89 ألفاً، هو أن يفجّر قرار المجلس البلدي بالأغلبية برفع سن التقاعد لأربع سنوات (64 عاماً)، “لجنة الحرس وفوج الإطفاء”، مع إعلان رئيسها عدنان عميرات استقالته من اللجنة، بعد سنوات من “صفر إنجازات”. ولأن إنجازات البلدية في هذا الملف “مش مقتّلة بعضها”، تم في المقابل تطيير مناقشة رفع بدل الأخطار إلى الجلسة البلدية المقبلة. فقلوب أعضاء البلدية ليس على حقوق الفوج بقدر ما هي على “القدرات المالية للبلدية”.

لا حاجات فوج إطفاء بيروت، ولا حاجات أهالي بيروت لخدمات الإطفاء (عددهم الفعلي لا يتجاوز 600 اليوم فيما الملاك يتسع لـ 834 وحاجة بيروت تقدر بـ1500)، أولوية لدى المحافظة أو البلدية. فمقاربة محافظ بيروت مروان عبود للملف، أشبه بسياسة “بيّ الكل” على قاعدة أن عناصر الفوج هم “أبناؤه”، فيما واقع الحال غير ذلك. فملف الفوج يتخطى مظلومية الانهيار، إلى المحسوبية والاستنسابية.

في السياق، نكشف واقع فصل 91 عنصراً من فوج الإطفاء، إلى البلدية، بوساطات سياسية، علماً أن قرابة نصفهم لا يداومون فيها، ويتقاضون رواتبهم “ع باب المستريح”. في هذا الإطار، يعلق أحد الإطفائيين بالقول “عندما نحتجّ يقولون لنا، هي نفسها الجهة السياسية اللي وظفتكن، قعّدتن بالبيت بقرار من المحافظ”. وطبعاً تلك الجهات تختصر بعبارة “كلن يعني كلن”.

فوج إطفاء “تورونتو”

يقول أحد عناصر فوج إطفاء بيروت “راتبي وصل في أوج الأزمة الاقتصادية إلى 50 دولاراً، وهو لا يتجاوز اليوم 480 دولاراً، بعد أن دخلت الفوج على أساس راتب 1500 دولار. (أصل الراتب مليون و500 ألف ليرة، تضاف إليه زيادات على الراتب)، وراتب الإطفائي هو الأعلى في الدول التي تحترمه، نظراً للمخاطر التي يتعرض لها”.

الانهيار في لبنان لم يحترم أحداً. يترحّم العناصر على المساعدات المدرسية والطبابة أيام ما قبل الانهيار. لكن “البهدلة” وصلت حتى أدق تفاصيل عملهم. فهم محرومون من “البدل المالي” للبزة الخاصة بالفوج أثناء الخدمة منذ أعوام. في السياق، يقول أحد العناصر “مش مضطر إدفع حقّا من جيبتي، عم روح عالدوام بلباس مدني”.

ويسأل العناصر “أين ذهب الدعم غير المسبوق الذي أتى للفوج بعد انفجار المرفأ؟ وماذا لو لم تتبرع لنا كندا بلباس مستعمل خاص للحرائق؟ وهل يعرف أهالي بيروت وسكانها، أن لباسنا للحرائق، عليه علم كندا وهو كان مخصصاً لفوج إطفاء مدينة تورونتو”؟

أكثر الملفات مظلومية للعناصر هو ملف الترقيات، علماً أنهم لا يعفون ضباطهم (الذين يطالبون اليوم بترقيات استثنائية للجميع) من المسؤولية.

لجنة الحرس وفوج الإطفاء: صفر إنجاز

يشكك جميع عناصر الفوج الذين تواصلنا معهم من الإطفائيين وصولاً إلى الضباط، بنوايا المجلس البلدي حيال اقتراح بدل الأخطار المطروح لفوج الإطفاء. برأيهم “لم يطرح المشروع اليوم لتصحيح استجابة البلدية لأوضاع فوج الإطفاء، بقدر ما اقترح كمقايضة، بهدف ضمان تمرير بدل المثابرة لموظفي البلدية”. هذا ولا يثقون بتمريره قريباً. يقول أحد الضباط “بكرا بيضلوا يأجلوا الاقتراح، تعودنا عليها في بلدية بيروت”.

واعتاد الفوج أيضاً، على لجنة شؤون الحرس وفوج الإطفاء، المؤلفة من 3 أعضاء من البلدية، ورئيسها عدنان عميرات، مع “صفر إنجازات” للجنة. ويسألون “كيف نثق بلجنة تواصلها معنا شبه معدوم نحن أبناء الفوج؟ وعميرات بعمره ما سمع لمطالبنا؟”.

لكن عميرات لا ينصت لأحد، وضمنهم أعضاء البلدية زملاؤه. في السياق، وبعد موافقة المجلس البلدي بالأكثرية على رفع سن التقاعد لفوج الإطفاء إلى عمر 64 عاماً، يقول عميرات “قدمت استقالتي من اللجنة، لأنني كنت كالزوج المخدوع، فبعد أن قدمت مطالعتي لرفع سن التقاعد عامين فقط، تفاجأت بأعضاء آخرين، يذهبون نحو خيار الـ4 سنوات”.

في السياق، يسأل ضابط في الفوج “من أين أتى عميرات بمطالعته؟”، فأصل مطالبتنا هو بالعودة لقانون سن التقاعد 64 الذي على أساسه دخلنا الفوج في دورة العام 1996، قبل أن يتم إلغاؤه عام 1997، وهو ضمانتنا لنيل 85 في المئة كتعويض على أصل الراتب، لأنه يحقق أداءنا الخدمة 40 عاماً، كشرط لتحقق هذه النسبة. لكن جواب عميرات على هواجس عناصر الفوج هو “مش مستعد خلي البلدية تفرغ من مالها ونلجأ للاستدانة برفع سن التقاعد 4 سنوات”، علماً أن هذا ليس رأيه وحده.

أما رامي غاوي، عضو اللجنة أيضاً، فيرى في رفع سن التقاعد 4 سنوات خطوة جيدة، آخذا بالاعتبار، أنه أتى كحلّ لعدم فتح دورات جديدة لعناصر جدد.

إيرادات البلدية ترتفع…. ماذا عن بدل الأخطار؟

بعد أكثر من عام، على رفع إيرادات البلدية، وتقاضيها الرسوم وفق دولار 89 ألف ليرة، أعدت المصلحة المالية في البلدية، اقتراح بدل الأخطار، الذي وقعه المحافظ، وحوّل في 14 كانون الثاني الماضي (منذ أكثر من شهر)، للجنة الحرس والإطفاء لدراسته. لكن اللجنة لم تدرسه بحجة أنها كانت تدرس مقترح رفع سن التقاعد.

ووفق مصادر مطلعة “كانت كلفة الاقتراح 234 مليار ليرة، تم تخفيضها إلى 168 ملياراً، أي قرابة 2 مليون دولار، بهدف الموافقة عليه، حيث يرتفع البدل للإطفائي من 200 ألف ليرة، إلى 14 مليون ليرة”. لكن المجلس البلدي مع ذلك، استمهل، طالباً دراسة الملف، ليتسنى له الإطلاع على رصيد البلدية في مصرف لبنان، للتثبت من قدرة البلدية على تمويله.

من جهتها، عضو اللجنة المالية، يسرى الصيداني، ترى أنه “من حقنا كأعضاء مجلس بلدي، دراسة الوضع المالي للبلدية لضمان نجاح قرارنا برفع بدل الأخطار. أما في موضوع رفع سن التقاعد، فهي أيضا كانت من داعمي وجهة نظر عميرات، معللة رأيها، إضافة للهاجس المالي بـ “تقدم عمر عنصر الفوج وعدم قدرته على القيام بمهام إطفاء في عمر الـ64”.

نسألها “لماذا إذاً تقبلون بهدر أموال البلدية، بنقل عناصر من الفوج هم في عمر الشباب إليها ولا يداومون فيها؟”، فتجيبنا صيداني “هذه القرارات تأتي من المحافظ، ولا نستطيع منعها”.

المحافظ “بيّ الفوج”… والفوج يعاني اليتم!

مصدر بلدي على اطلاع بمقاربة المحافظ للملف، يرفض الكشف عن اسمه، (المحافظ يتحفظ عن إعطائنا تصريحاً)، شن هجوماً على فوج الإطفاء، تحت عنوان “شو وقفت عليهم؟ الأزمة عالجميع”.

نسأله عن بدل الأخطار، فيردّ “طُرح بتوجيهات وموافقة المحافظ، وهلّأ لزبطت ميزانية البلدية، بدنا ننطر لتتعافى المؤسسات، مش بس فوج الإطفاء انخفضت رواتبن، كلنا بالهوا سوا”.

نسأله عن حقهم بالاستشفاء، فيتحدى “أن يكون هناك عنصر محروم منه”، فننقل إليه كلام عناصر الفوج لنا، بأنهم لا يحصلون على هذا الحق إلا بعد 1000 اتصال للمحافظ بالمستشفيات، فيجيب “المهم بالآخر عم يتحكموا”.

وعن “صفر إنجازات” للجنة الحرس وفوج الإطفاء يعلق “ليش في شي ما بيوقفو عميرات؟”، متهماً إياه “بوضع العصي بدواليب الاقتراحات”. ولا يستثني المصدر ضباط فوج الإطفاء من هجومه. “فالضباط ما بيحبوا عناصرن وما بيعملوا شي ليطالبوا بحقوق العناصر”، لكنه في الوقت عينه، يرى بأن العناصر “متحمسون ومندفعون، والظلم ليس قائماً عليهم وحدهم”.

الظلم المعمم لا يسقط المظلومية عنهم، نجيب المصدر، فيردّ “هول ولادنا”، وقريباً “رح نوزعلن بدلات من فرنسا لحل مشكلة البدل المالي للبزة”. (وفق معلومات نداء الوطن، هذه الهبة وصلت منذ فترة طويلة ولم توزع إلى اليوم، فهل عادت إلى بال المعنيين بعد تحريك الصحافة ملف فوج الإطفاء؟).

91 إطفائياً في البلدية: نصفهم لا يعمل!

“لا نتوقع إقرار بدل الأخطار عما قريب”، يقول أحد ضباط فوج إطفاء بيروت. إذ “لا يتحقق لنا أي مطلب في بلدية بيروت، ما لم نطلق تحركات وضغطاً في الشارع”. وموظفو البلدية “بيتفرجوا علينا عالتلفزيون، وما منصير أبطال عندن إلا بعد أن نموت.. بدلالة تثبيت المتمرنين بدورة 2018 بعد انفجار مرفأ بيروت وسقوط شهداء الفوج بيوم واحد”.

ننقل إليه تصويب أجواء المحافظة على الضباط، فيرد بتصويب أصابع الاتهام على المحافظة والبلدية، بدءاً من “تكريس المحافظ مروان عبود شرخاً وانعدام مساواة فاضحاً بين عناصر الفوج، عبر فصل عناصر في الفوج بوساطات سياسية إلى البلدية، للعمل في مكاتب، على عكس زملائهم الذين يذهبون في مهام إطفاء شاقة، لا بل إن قرابة نصف هؤلاء أي قرابة 40 إطفائياً، لا يداومون في البلدية أساساً”.

ويعزو المحافظ قرارات فصلهم لإلى البلدية، للحاجة الماسة فيها مع ارتفاع نسبة الشغور في البلدية، لكن واقع الحال أن الملف بمثابة “وساطات سياسية”. وهو أمر لم يستجد في عهد عبود (لم ينقلوا جميعهم في عهده)، لكن “أعداد المفصولين للبلدية ارتفع في عهده بشكل غير مسبوق”، وفق مصادر في فوج الإطفاء.

وهنا سؤال للمحافظ، الذي – أعاد موقتا خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة قرابة 45 إطفائياً إلى مراكزهم ثم أعادهم للبلدية بعد انتهاء الحرب – ماذا عن الشغور في الإطفائية؟ فهناك 540 إطفائياً، اليوم، 90 منهم في البلدية. أي هناك 470 إطفائياً في محافظة بيروت، من أصل 834 يتسع لهم الملاك، أي أن عدد الإطفائيين بالكاد يغطي نصف حاجة بيروت وفق رقم الملاك (وهو ثلث عدد الإطفائيين وفق القاعدة العالمية: إطفائي مقابل 1000 مواطن).

المحافظة… و”بيّ الكلّ”

خلال حرائق مدينة لوس أنجلوس الأميركية، قالت رئيسة إدارة الإطفاء في المدينة، كريستين كراولي، في حديث صحافي “إن إدارة المدينة خذلت إدارة الإطفاء، بسبب اقتطاع 17 مليون دولار من ميزانية إدارة الإطفاء والعدد “غير الكافي من رجال الإطفاء”، الذي أضعف السيطرة على الحرائق.

والسؤال: متى تتعلم محافظة وبلدية بيروت من دروس الماضي؟ فمظلومية “الجميع” لا تبرر إرسال فوج إطفاء بيروت إلى الموت مرة ثانية. وكان الأجدى بالمحافظ لو كان حريصاً على “أبنائه” الإطفائيين والإطفائية، تسجيل سيارتي إسعاف ورافعة في نافعة الدكوانة (بما أنه رئيس هيئة إدارة السير بالتكليف)، أتت منذ سنوات كهبات لفوج الإطفاء، ولم تستعمل إلى اليوم. أو هذه المهمة أيضاً تتطلب دراسة جدوى مالية من بلدية بيروت؟

اخترنا لك