“حزب الله”… تقصير أمني وغياب بنيوي

بقلم مكرم رباح

خرج بالأمس النائب السابق في “حزب اللّه” نواف الموسوي في مقابلة تلفزيونية، متحدّثاً عن أزمات “حزبه”، ولكن كعادته متمسّكاً بأسلوبه المتجهّم، قدّم لنا، عن وعي أو عبر الصدفة، نافذة إلى داخل “الحزب” والأزمة التي يمرّ بها “الحزب” بعد “نصره” المزعوم في الحرب مع إسرائيل ومقتل قادته، وعلى رأسهم الأمينان العامّان حسن نصر الله وهاشم صفي الدين.

مقابلة الموسوي، ولربما للمرة الأولى، حملت انتقاداً واضحاً لجناح معين داخل الحزب، إذ اعتبر أن “حادثة البيجرز” كانت سقطة أمنية كبيرة، وليست كما حاول “الحزب” الترويج لها بأنها مجرّد ثغرة عابرة. كما هاجم قرار صفي الدين بجمع مجلس شورى “حزب اللّه” لانتخابه في مكان مكشوف أمنياً، مشدّداً على أن اغتيال قادة “الحزب” كان نتيجة تقصير أمني داخلي أكثر مما كان إنجازاً استخباراتياً للموساد الإسرائيلي.

هذا التصريح يكسر أحد أهم “التابوهات” داخل “حزب اللّه”، حيث لطالما تمّ تصويره كمنظومة أمنية مُحكمة لا تُخترق، وبالتالي فإن الاعتراف بوجود ثغرات خطيرة يشكّك في السردية التي روّج لها “الحزب” لسنوات طويلة.

كلام الموسوي يشكل ضربة لمصداقية “الحزب”، فهو يتناقض مع الرواية الرسمية التي يكرّرها نعيم قاسم في خطاباته المتلفزة حول “الانتصار عبر الصمود”. فـ “الحزب”، بدلاً من أن يعيد تقييم أدائه الأمني والعسكري والسياسي، يصرّ على إنكار الواقع وتقديم خطاب تضليلي. الاتهام المباشر الذي وجّهه الموسوي حول التقصير الأمني في حماية القيادة، وإدانته غير المباشرة لقرارات صفي الدين، كما يبدو يعكسان بداية تصدّع داخلي بين أجنحة “الحزب”، حيث لم يعد الجميع مقتنعاً بالرواية الرسمية عن “الانتصار المظفّر”.

دور نصراللّه في إبقاء تماسك الميليشيات التابعة لإيران في لبنان والمنطقة لم يكن مجرّد قيادة، بل بمثابة “قوة الجاذبية” التي تبقي التابعين في مدارها. ومع مقتل هذه القوة، فإن مصير التابعين هو الشذوذ عن مسارهم. لا نعيم قاسم، ولا وفيق صفا، ولا أي شخصية من شخصيات “الحزب” الحالية، يمتلكون الكاريزما أو القدرة على ملء الفراغ الحاصل. الموسوي عبر تصريحه الأخير نفى بقصد أو من دون قصد ما كان يقوله نصراللّه عبر السنوات من أن أسلوب التنظيم القيادي عند “حزب اللّه” هو هرمي عمودي، وإن القيادات التي تسقط في الميدان سهل استبدالها، ولكن بالإضافة لكلام الموسوي فإن الأحداث الأخيرة أثبتت عكس ذلك.

انهيار هالة نصراللّه بعد اغتياله لا يقتصر على الداخل اللبناني، بل يمتدّ إلى طهران ودمشق وبغداد، حيث كان يشكل نقطة الارتكاز الأساسية لمشروع “محور المقاومة”. غيابه يخلق فجوة استراتيجية يصعب على طهران سدّها.

إيران، التي فقدت أهم أدواتها التنفيذية مثل قاسم سليماني، لم تعد تمتلك القدرة على إدارة “محور المقاومة” بالفعاليّة السابقة. فمع تزايد الضغوط الاقتصادية على طهران، وسقوط “حزب اللّه” في مستنقع الحرب الإقليمية، لم يعد الحرس الثوري قادراً على ضخ الموارد الكافية لإعادة ترميم “الحزب”. الواقع يُظهر أن إيران باتت تميل إلى التركيز على العراق، حيث توجد موارد أكبر يمكن استغلالها، بدلاً من الاستمرار في ضخّ الأموال لـ “حزب” يتآكل من الداخل.

مع مرور الوقت، ستتعمّق الأزمة داخل “الحزب”، وسيجد أفراده أنفسهم أمام خيارين: إما البقاء في ظلّ قيادة مهتزة ومهزومة، أو البحث عن بدائل إقليمية. هناك احتمال أن تنقسم التيارات داخل الحزب إلى جناحين، أحدهما موالٍ لطهران، والآخر يسعى لإيجاد دعم إقليمي آخر، فيتحوّل “حزب الله” إلى “جبهة الرفض” و “حزب الله العربي”، كما حدث مع العديد من الفصائل المسلحة الأخرى في المنطقة.

أنصار “حزب اللّه” اليوم يعيشون حال إحباط وصدمة، حيث بات من الصعب إقناعهم بأن إيران ستعيد إعمار قراهم، بينما الحقيقة أن طهران بالكاد تستطيع تلبية احتياجاتها الداخلية. والأصعب من ذلك هو إقناع مشرّدي “الحزب” بأن إسرائيل لم تحقق نصراً كاسحاً، بينما منازلهم وقراهم مدمّرة، وقياداتهم إما قتلوا أو في حال ارتباك.

“حزب اللّه” لم يخسر فقط بسبب تقصير أمني أو براعة استخباراتية إسرائيلية، بل خسر عندما تحوّل “أشرف الناس” إلى جزء من نظام البراميل المتفجرة، وأصبح يحتفل بهجوم 7 أيار وكأنه إنجاز للمقاومة. السقوط لم يبدأ مع اغتيال نصرالله، بل بدأ يوم فقد “الحزب” أي صلة بقيم التحرر والسيادة، وتحوّل إلى مجرد ذراع لتنفيذ أجندات إيران وغياب أي دور بنيوي، على حساب لبنان واللبنانيين.

اخترنا لك