كتب أبو زهير
لا أيام أحبّ إلى قلبي من أيام رمضان. ذاك الشهر المبارك الكريم الذي يعيد الروابط العائلية إلى طبيعتها، ويجمع حول مائدة ملؤها الفتوش والرقائق والقطائف والشعيبيات.
ولا يحلو رمضان كذلك إلّا بكوب الجلّاب والسوس وقمر الدين بعد صلاة العشاء والتراويح، أمام شاشة تلفزيون مضبوطٍ على مسلسل رمضانيّ جميل.
بعد أن أعلنت دار الإفتاء يوم السبت أول أيام الشهر المبارك، أجريت أنا وأم زهير استفتاءً داخلياً حول المسلسل الذي سنتابعه هذه السنة، فوقع اختيارها على مسلسل معاوية (تسميه مولانا معاوية). قلت لها دعكِ من المسلسلات التاريخية يا امرأة. فلنشاهد “المصري”، حيث الفرفشة والنعنشة… ضروي النكد والمعارك والقتل والخلافات؟
أصرّت أم الزوز على “مولانا معاوية”. وبما أنّ كلمتي في المنزل “ما بتصير تنين” (3 وما فوق) تابعنا معاوية، الذي بدا لي منذ الحلقة الأولى مسلسلاً ركيكاً ذا حبكة ضعيفة يحاكي ركاكة العلاقة بين السُنّة والشيعة في يومنا هذا (ما جايبين شي من برا).
ومذّاك، صرت أضبط المسلسل على الشاشة لتتمجلس أم زهير وتنفخ بنرجيلتها، بينما أخلو أنا إلى شياطيني لأشاهد شاشة أخرى صغيرة، هي شاشة هاتفي الذكي. أرتشف رشفات “مَزمَزة” من كوب السوس، ثم أسترق السمع وبعض المشاهدات العابرة لمجرد “مسايرة” أم زهير، ودفعها إلى الشعور بأنني متابعٌ نهمٌ محبّ للتاريخ ولسِيَر الصحابة الأبرار.
متابعتي لما يدور على التواصل الاجتماعي كل مساء دفعتني للاعتقاد، بأنّ تبعات المسلسل وتداعياته سوف تكون أكبر من المسلسل نفسه. إذ يكفي تصفّح “فايسبوك” و”إكس” عشية عرض كل حلقة في كل مساء، لمعرفة حجم الجدل الدائر حور المسلسل بين المتابعين. خصوصاً بين السنّة الذين يدافعون عن شخصيته في المسلسل الذين يرون أنه أوفاه حقه بوصفه: أول ملك في الإسلام، وكاتب الوحي وناشر الإسلام في 50 دولة بينها الأردن وسوريا وفلسطين ولبنان، وأول من أنشأ الشرطة وحراس الأمة والجيش… فتظنّ أنّ “مولانا معاوية” كان من دعاة تطبيق القرار 1559 ومن أشدّ الداعين إلى هيمنة الدولة على قرار الحرب والسلم.
أمّا الشيعة، فالأغلب أنّ أغلبهم لا يتابع المسلسل لدواعٍ تحريمية. بينما تشاهده قلّة قليلة من باب اللهو بوصفه مجرّد مسلسل. لكنّ اللافت أن الكثير، وإن كان من غير المشاهدين، يشارك في النقاشات و “دقّ البوكس” الذي يحصل على التواصل الاجتماعي، والذي يبدو أنّها ستتوسّع وتتعمّق مع بلوغنا حلقات متقدمة تحاكي مرحلة “الخلاف” بين “مولانا معاوية” والإمام” علي بن أبي طالب”… فاللّه يجيب العواقب سليمة!