لبنان اليوم : بين التخطيط الممنهج والمصير المجهول

بقلم خلود وتار قاسم

يا له من مخطِّط بارع ذاك الذي أوصل البلاد إلى هذا الدرك! لا شك أن كل من اعتلى منصة الحكم، فسد، سرق، أو غضّ الطرف “لغاية في نفس يعقوب”، إما لأنه ممسوك، أو لأنه موعود بحصةٍ ما، ظنًّا منه أن فساده الفردي لن يكون مؤذيًا. لكنه لم يدرك أن مجموع هذه الفسادات الصغيرة، حين تراكمت، تحولت إلى إعصارٍ اجتاح الدولة بأكملها، فحطّم مؤسساتها، ودمّر اقتصادها، وجعل لقمة العيش مستحيلة المنال لغالبية المواطنين.

لقد دخل لبنان مرحلة غير مسبوقة من الفوضى، حيث أُنهِكت القطاعات الحيوية، وتم سحق الطبقة المتوسطة، وأصبح الفقر القاسم المشترك بين اللبنانيين. اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، لم يعد الوطن مجرد أرضٍ تُسكن، بل تحول إلى ساحة معركةٍ باردة بين الفاسدين والشعب، حيث يُدفَع المواطن نحو الجوع، التيه، والهجرة، بينما يواصل المستفيدون من الانهيار ترتيب أوراقهم لضمان بقائهم في السلطة، حتى ولو كان الثمن القضاء على ما تبقى من الدولة.

لكن الفرق اليوم أن صفحة جديدة تُكتب! السلطة الجديدة التي تشكّلت بعد المخاض العسير لم يعد لديها خيار سوى أن تكون على مستوى التحدي. فإما أن تمسك بزمام الأمور بحكمة وجرأة، وتعيد بناء لبنان على أسسٍ عادلة، أو أن تسير على خطى من سبقها، فتواجه نفس المصير. ما نحتاجه ليس مجرد تغيير في الأسماء، بل تغيير في النهج، في الرؤية، في الأولويات. فلبنان لم يعد يحتمل المزيد من التجارب الفاشلة.

إن اللبنانيين اليوم أمام مفترق طرق حقيقي، فإما أن يتحولوا إلى قوة ضاغطة لإجبار السلطة على العمل الجاد للإصلاح الحقيقي، أو أن يستسلموا للواقع، ويتركوا الوطن لمصيرٍ مجهول. لذلك، لا يكفي أن نشتم الفساد، بل يجب أن نحاربه، لا يكفي أن نلعن المسؤولين، بل يجب أن نحاسبهم. فلا عذر لمن ينتخب الفاسدين ويشتكي من الفساد، ولا عذر لمن يسكت عن حقه ثم يلوم القدر على بؤسه.

لقد آن الأوان لأن نؤمن بأن التغيير ليس معجزة، بل إرادة. نعم، نحن بحاجة إلى قوةٍ تزلزل هذا النظام الفاسد، لكن هذه القوة لن تأتي إلا من وعينا، من قراراتنا، من وحدتنا. علينا أن نتعلم من دروس الماضي، وأن ندرك أن إعادة بناء الوطن تبدأ من اختيار من يستحق أن يقود، لا من يعِد ويكذب. فلبنان يحتاج إلى قيادة تبني دولة لا مزرعة، وطنًا لا شركة، مؤسسات لا مصالح شخصية.

إلى أولئك الذين في مواقع القرار اليوم، نقول: لا مجال للمزيد من الأخطاء، فالشعب لم يعد يحتمل، والتاريخ لا يرحم. إلى اللبنانيين جميعًا، تذكروا أن كل فرد فينا مسؤول، والتغيير يبدأ منكم.

اخترنا لك