بقلم مروان الأمين
اكتسبت الجولة الميدانيّة التي قام بها رئيس الحكومة نوّاف سلام في الجنوب أهميّة استثنائيّة، إذ أتاحت له الاطلاع عن كثب على حجم الدمار الذي خلّفته الحرب الأخيرة. غير أن دلالاتها تجاوزت البعد الإنساني، حيث جاءت دون أي تنسيق ميداني مع الثنائي الشيعي، لا سيما “حزب الله” الذي غاب عن مواكبة الزيارة أمنياً وعبر نوابه.
وتُعدّ هذه الجولة سابقة من نوعها، إذ إنها قد تكون الزيارة الأولى الميدانيّة، منذ عقود، التي شملت معظم الجنوب لمسؤول رفيع بهذا المستوى يتم تنظيمها حصراً عبر مؤسسات الدولة، من خلال التنسيق بين فريق رئيس الحكومة وقيادة الجيش والأجهزة الأمنية، متجاوزةً القنوات التي كانت تمر حُكماً عبر “حزب الله”، في ما يبدو إشارة واضحة إلى نهج جديد في التعامل مع الواقع السياسي والأمني في الجنوب.
خلال زيارته إلى الجنوب، استمع الرئيس سلام إلى مروحة واسعة من مواقف ومطالب الناس. فالبعض عبّر عن تأييده لدور الدولة والجيش، وأبدى تفاؤله بقيادته للسلطة إلى جانب الرئيس جوزاف عون، فيما حملت أصوات أخرى نبرة تحدّ واستفزاز، مشيدةً بدور “حزب الله” ومحمّلة سلام مسؤولية تبعات الحرب، سواء في ما يتعلق بإعادة الإعمار أو استمرار الاحتلال الإسرائيلي لخمس تلال داخل الأراضي اللبنانية.
لكن اللافت أن نشرات أخبار وسائل إعلام الثنائي الشيعي، إلى جانب الشخصيات المقرّبة من “حزب الله” وجمهوره على منصات التواصل الاجتماعي، تجاهلت التفاعل الإيجابي مع سلام، وركّزت حصراً على المواقف السلبيّة والتصريحات الاستفزازيّة، في ما بدا محاولة واضحة، بدأت منذ وقف إطلاق النار، وتصاعدت بعد انتخاب عون وتكليف سلام، لتوجيه الرأي العام الشيعي وفق رؤية محدّدة، عنوانها: التملّص من المسؤوليات ورميها على الدولة.
منذ الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار، يتردّد في الأوساط الشيعية، ولا سيما في الجنوب، سؤالان أساسيان لم يجد لهما الناس إجابات واضحة.
يتمحور السؤال الأول حول إعادة الإعمار وعودة الناس إلى قراهم. فـ “حزب الله”، من جهة، لا يستطيع مصارحة الناس بعجزه عن تنفيذ وعد السيّد حسن نصرالله بإعادة الإعمار. ومن جهة أخرى، لا يجرؤ على المجاهرة بأن تمسكه بما تبقّى من منظومته العسكرية يتقدّم عنده في سلّم الأولويات على ملف إعادة الإعمار، حتى لو كان ثمن ذلك منع تدفّق المساعدات العربيّة والدوليّة لإعادة بناء ما دمّرته “حرب الإسناد” ومشروع “وحدة الساحات”.
أما السؤال الثاني، فيتعلّق باستمرار تواجد الجيش الإسرائيلي على تلال لبنانيّة جنوبيّة. وهنا أيضاً، يجد “حزب الله” نفسه في موقع حرج، إذ لا يمكنه الاعتراف بأنّ الاتفاق الذي وافق عليه جاء نتيجة هزيمة عسكريّة وفُرض عليه قبول وقف إطلاق النار دون اشتراط انسحاب فوري لإسرائيل عند الإعلان عنه. كما أنه يتجنب مصارحة الناس أنّ وضعه العسكري والمالي والتنظيمي في حالة انهيار بحيث يصبح من المُحال الإقدام على خرق الاتفاق والقيام بعمليات عسكريّة ضد المواقع الإسرائيلية لتحريرها.
الناس في حالة غضب عارم، فيما يقف “حزب الله” عاجزاً عن مصارحتهم بحقيقة ما آلت إليه أحواله وأحوالهم، غير قادر على تحمّل مسؤوليّته عمّا ارتكب بحقّهم عن سابق إدراك وتصميم. لذلك يعمد إلى توجيه غضبهم باتجاه الدولة والرئيسين جوزاف عون ونوّاف سلام، في مسعى مُمنهج، سياسياً وإعلامياً وشعبياً، لإلقاء تبعات الحرب على كاهلهم، مُتنصّلاً من وزر ما اقترف.