الموقوفون في السجون اللبنانية : واقع مؤلم ومعاناة لا تُحتمل

بقلم ميراز الجندي – كاتب ومحلل سياسي

تعد قضية الموقوفين في السجون اللبنانية من القضايا الإنسانية التي تستحق تسليط الضوء عليها. أكثرية هؤلاء الموقوفين ما زالوا يقبعون خلف القضبان دون محاكمات قانونية واضحة، ودون أن يتم النظر في قضاياهم لفترات طويلة. والبعض منهم في السجون بسبب عدم القدرة على دفع كفالة مالية لإطلاق سراحهم، ما يجعلهم ضحايا للظلم ولعدم العدالة، دون أي تدخل يذكر من المعنيين أو الأجهزة المعنية بهذه القضايا.

لقد تحولت السجون اللبنانية إلى معتقلات، حيث يتم احتجاز الأبرياء لمجرد أنهم عجزوا عن دفع المبالغ المطلوبة للإفراج عنهم، أو أنهم عالقون في دوامة من التأجيلات التي لا نهاية لها في المحاكم. مع مرور الأيام، تصبح حياة هؤلاء الموقوفين في مهب الريح، دون أمل في تغيير واقعهم المرير. والسبب الجوهري لهذا الظلم هو غياب العدالة، والتراخي في تطبيق القوانين، وضعف النظام القضائي اللبناني الذي فشل في إيجاد حلول جذرية لهذه المشكلة.

إنها مأساة حقيقية أن يعيش الإنسان في سجن بسبب خطأ قانوني أو تأجيل غير مبرر، أو بسبب عجزه عن دفع مبلغ بسيط يتيح له أن يستعيد حريته. هذه الممارسات تُعتبر انتهاكًا صريحًا لحقوق الإنسان، حيث يُفترض أن يتساوى الجميع أمام القانون، وأن يتمتع كل فرد بحقوقه القانونية، بما في ذلك الحق في المحاكمة العادلة. ولكن في لبنان، يبدو أن هذا الحق أصبح حلمًا بعيد المنال لآلاف من الموقوفين الذين أصبحوا في النهاية مجرد أرقام لا صوت لها في مجتمعهم.

الواقع المظلم للموقوفين

المؤسف أن هذه القضايا لا تجد من يناقشها بشكل جاد أو يسعى لحلها. لا نجد تحركات فعلية من المؤسسات المعنية أو من المجتمع المدني ليضغطوا على الدولة لتسريع الإجراءات القانونية والبت في قضايا الموقوفين. الأمر الذي يجعل الموقف في غاية القسوة، حيث يتم حجز الأشخاص في السجون لشهور أو حتى سنوات طويلة، بينما يتم تأجيل محاكماتهم أو تعطيلها بشكل غير قانوني.

إذا كان غياب المحاكمات في حد ذاته انتهاكًا لحقوق هؤلاء الموقوفين، فإن الانتظار غير المبرر يضاعف من معاناتهم. فالسجون ليست فقط مكانًا يتم فيه احتجاز الأشخاص، بل أصبحت مكانًا لتدمير حياة هؤلاء الأفراد، مما يؤدي إلى تداعيات نفسية واجتماعية وخيمة عليهم وعلى عائلاتهم.

لا مكان للانتقام في السجون

السجون يجب أن تكون مراكز لإعادة التأهيل، حيث يتم التعامل مع الموقوفين بشكل إنساني، بما يتماشى مع حقوق الإنسان. أما ما يحدث في لبنان فهو أن هذه السجون أصبحت مكانًا للانتقام والتدمير، حيث يُحتجز المواطنون في ظروف غير إنسانية، دون أن يتم النظر في قضاياهم أو اتخاذ القرارات المناسبة في محاكماتهم.

على الدولة اللبنانية أن تدرك أن الموقوفين ليسوا مجرد أرقام يتم التخلص منها في زوايا السجون. هؤلاء هم مواطنون لديهم حقوق، وأسرهم بحاجة إليهم. يجب أن يكون هناك اهتمام حقيقي من الدولة لتسريع الإجراءات القانونية، والإفراج عن الأبرياء الذين عجزوا عن إثبات براءتهم أو الذين علقوا في دوامة من التأجيلات.

إصلاح النظام القضائي ضرورة ملحة

من أجل معالجة هذه المشكلة، فإن لبنان بحاجة ماسة إلى إصلاح شامل في نظامه القضائي. يجب تسريع الإجراءات القانونية، وتقليص التأجيلات المتكررة للمحاكمات، وإيجاد حلول مبتكرة لحل قضايا الموقوفين. يجب العمل على تعزيز استقلالية القضاء، وتحديد المسؤوليات داخل مؤسسات الدولة لضمان تطبيق القانون بشكل عادل وفعال.

في الوقت ذاته، يجب أن يتوقف التهاون في تنفيذ القرارات القضائية. حجز شخص لمدة طويلة في السجن دون محاكمة يُعد انتهاكًا لحقوقه الأساسية، ويجب محاسبة المسؤولين عن هذا التأخير. كما يجب أن تكون هناك آلية فعالة للتأكد من تطبيق العدالة في موازاة مع الحفاظ على حقوق المتهمين، وعدم السماح لأي شخص بالتحكم بمصير الآخرين لمجرد أن له القدرة على دفع المال.

الوقت حاسم: يجب وضع حد لهذا الظلم

لا يمكن السكوت عن استمرار هذه المعاناة. لبنان بحاجة إلى وضع حلول سريعة وفعالة لقضية الموقوفين، حتى لا تصبح هذه المأساة جزءًا من الواقع اليومي للمواطنين. إن تجاهل هذه القضايا سيزيد من تعميق الفجوة بين الدولة والمواطنين، مما يعمق الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها لبنان.

العدالة لا يمكن أن تتأجل للأبد. لا بد من توفير العدالة للجميع، من خلال تحقيق محاكمات سريعة وعادلة للموقوفين وحتى اعادة بعض المحاكمات التي اخذت طابع ثائري او كيدي سياسي، ومن خلال إغلاق الثغرات القانونية التي تستغل من قبل البعض لإبقاء الأبرياء قيد الاعتقال. اللبنانيون يستحقون العيش في دولة تحترم حقوقهم، ولا تتركهم ضحايا للظلم والفساد.

اخيرا وليس اخر، على الدولة اللبنانية أن تتحمل مسؤولياتها وأن تسعى بشكل جاد لمعالجة قضية الموقوفين من خلال إصلاح النظام القضائي وتعزيز استقلالية القضاء، ليحصل كل مواطن على حقه في محاكمة عادلة وفي بيئة من الأمن والاستقرار. يجب أن يتم تطبيق العدالة بسرعة وبدون تأخير، بعيدًا عن المساومات السياسية أو المماطلة.

إن لبنان بحاجة إلى العدل أكثر من أي وقت مضى، فهو لا يمكن أن يستمر في تجاهل قضايا الموقوفين والأبرياء الذين يعانون في السجون دون أن يتحرك أحد لحل مشاكلهم.

اخترنا لك