حاكم مصرف لبنان الجديد

بقلم أنطوان فرح

يبدو الكلام على حاكمية مصرف لبنان في هذه الحقبة على الموضة، ولو أن بورصة الأسماء أصبحت مملة من كثرة تكرارها، ومبتذلة من كثرة استخدامها، ولأسباب وأغراض متنوعة ليست كلها بريئة. لكن ما هو لافت في هذا الموضوع، طريقة مقاربة ملفٍ من هذا الحجم، وفي هذه الظروف بالذات، بأساليب مُسطّحة، أقل ما يقال فيها، إنها شعبوية، وتعكس استخفافاً بعقول الناس.

ولعلّ النقطة الجدلية الساخنة تتمحور حول بارومتر التوصيفات التي تُعتمد للقول إن هذا المرشح مناسب، وذاك لا. قد يكون مفهوماً أن يتمّ تسليط الضوء على سجل كل مرشح، لجهة خلفياته العلمية والمهنية ومواقفه السياسية، في حال وجدت، لكن ما ليس مفهوماً أو مقبولاً أن يتمّ تقييم أي مرشح بطريقة شعبوية، ومن قبل جماعات لا يتمتع أصحابها، بالحد الأدنى من المقومات التي يتطلبها تقييمأشخاص بمستوى مرشحين لحاكمية “المركزي”، وفي هذه الظروف بالذات.

في كل الأحوال، وفي عودة إلى حاكمية مصرف لبنان، لا بد من التركيز على أن سمعة المرشحين هي الأساس. ولدينا تجربة مفيدة في لبنان مع السياسيين. إذ إن البلد، وبالرغم من أنه كان سائباً طوال ثلاثة عقود وأكثر، ولم تكن هناك محاسبة لأي مرتكب، بل لم تكن هناك متابعة لتبيان الحقائق في أية قضية فاحت منها رائحة فساد، رغم كل ذلك، إذا نزلنا إلى الشارع، وسألنا المواطنين عن أسماء سياسيين يعتبرون أنهم فاسدون، ستتكوّن لدينا لائحة طويلة بالفاسدين والأوادم، وفق المعيار الشعبي، ومن دون الحاجة إلى إثباتات وقرائن. طبعاً، مع مراعاة القناعات السياسية لدى الناس، والتي ستدفع كل طرف إلى تسمية الفاسدين في الطرف السياسي الآخر. واللافت هنا، أن هذا الانطباع غير الموثّق يصيب الهدف بنسبة مرتفعة جداً.

في موضوع المرشحين للحاكمية، يبدو المشهد مماثلاً. بمعنى إذا سألت عن المرشحين، في الأوساط المالية والاقتصادية، أي في الأماكن التي يعرفون فيها هؤلاء عن كثب، ستُفاجأ بأنه يسهل تحديد الأوادم، وبأنه يسهل أكثر تحديد من يتمتّع بسمعة جيدة من حيث المهنية والحرفية.

ولكن من الصعب أن نسأل الرأي العام عن المرشحين للحاكمية، لأن الناس لا يفقهون في عمل هؤلاء، لذلك تبدو مسؤولية رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، ومجلس الوزراء، وكل من له تأثير في هذا الخيار، كبيرة جداً لاختيار الرجل المناسب لقيادة السياسة النقدية في المرحلة المقبلة.

تنطلق مسؤولية السلطة السياسية من واقع أن حاكم مصرف لبنان سيكون المدماك الأساس في صياغة خطة الإنقاذ المالي في المرحلة المقبلة. وقد سمعنا وزير المالية وسواه من المسؤولين، وفي أكثر من مناسبة يرددون أن مصرف لبنان سيتولى تزويد الدولة بالمعلومات ليُبنى على الشيء مقتضاه. وهذا يعني، أن الحاكم سيرسم، بطريقة أو باخرى، خطة الإنقاذ والتعافي. هذه الخطة التي يفترض أن عناوينها أصبحت واضحة، ولن تنجح سوى من خلال مسؤولية تشاركية بين الدولة، التي لديها “ديون” تجاه مصرف لبنان تبلغ حوالى 73 مليار دولار، ومصرف لبنان الذي لديه “ديون” تجاه المصارف بحوالى 86 مليار دولار، والمصارف التي لديها “ديون” تجاه المودعين بحوالى 88 مليار دولار.

لا تكابروا. حتى لو اعتمدتم حسابات الدكنجي، بمقدوركم أن توزعوا المسؤوليات والحلول بناء على هذه الأرقام، وكل ما عدا ذلك يهدف إلى التعمية وتضييع الحقوق.

اخترنا لك