الانتخابات البلدية في لبنان 2025 : بين الأزمة المالية، المناطق المنكوبة، ومعركة الإصلاح الحقيقي

بقلم كوثر شيا

مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان، والمقررة بين 4 و25 أيار 2025، يزداد الجدل حول إمكانية إجرائها في ظل الانهيار الاقتصادي، والتحديات اللوجستية، والتأخير في إقرار الإصلاحات المطلوبة. بين من يرى فيها فرصة للتغيير، ومن يعتبرها عبئًا ماليًا وسياسيًا في ظل العجز الحاد في الموازنة، يبرز السؤال الأهم:

هل ستُجرى الانتخابات في موعدها؟ وكيف ستتمكن المناطق المنكوبة من المشاركة في ظل غياب الحد الأدنى من الخدمات؟ وهل سيتم تعديل القانون لتكريس اللامركزية أم أن السلطة ستبقي الأمور على حالها؟

تمويل الانتخابات: من أين ستأتي الأموال؟

إجراء الانتخابات في ظل الأزمة المالية الخانقة يتطلب ميزانية ضخمة لتغطية النفقات الإدارية والأمنية واللوجستية، وهو ما دفع الدولة إلى البحث عن مصادر تمويل بديلة. وهنا المفارقة:
• الدولة تدّعي العجز المالي لكنها خصصت مبالغ ضخمة لإجراء الانتخابات.
• وزير الداخلية حصل على هبة مالية لتغطية بعض المصاريف، ولكن من هي الجهة المانحة؟ وهل هناك شروط سياسية مرتبطة بهذه الهبة؟
• رسم الترشح رُفع إلى 200 مليون ليرة لبنانية، مما يجعل المشاركة شبه مستحيلة للمستقلين وذوي الدخل المحدود.

التكاليف المتوقعة تشمل:
• تعويضات رؤساء الأقلام والكتبة: مبالغ ضخمة موزعة على آلاف الموظفين.
• مخصصات القوى الأمنية: بدل تغذية ونقل وسكن لعناصر الجيش وقوى الأمن الداخلي المنتشرين لحماية الانتخابات.
• نفقات لوجستية: طباعة اللوائح، القرطاسية، نقل الصناديق، تجهيز مراكز الاقتراع، وتأمين الكهرباء والمولدات.
• تمويل “الميغاسنتر” (إن تم اعتماده): مشروع غير محسوم بعد، وسط مخاوف من أن يتحول إلى أداة لإقصاء بعض الفئات بدلًا من تسهيل المشاركة.

الضرائب والإنفاق العام: لماذا يدفع المواطن الفاتورة دائمًا؟

يدفع اللبنانيون ضرائب مرتفعة، ومع ذلك، تذهب معظم هذه الإيرادات إلى:
• تمويل قطاع الكهرباء المفلس، الذي كلف الدولة أكثر من 40 مليار دولار بلا نتيجة.
• رواتب القطاع العام المتضخم، حيث عدد الموظفين يفوق حاجة الدولة، مع إنتاجية شبه معدومة.
• دعم المصارف وإنقاذها على حساب المودعين، بدلًا من إعادة أموال الناس المنهوبة.
• نفقات الوزارات والمجالس والصناديق التي لا تخضع لأي رقابة، وتستنزف المالية العامة دون أي جدوى حقيقية.

بينما المواطن لا يحصل على كهرباء، ولا مياه، ولا طبابة، ولا تعليم، تُخصص مليارات الليرات للانتخابات، دون أي خطة واضحة لضمان عدم إعادة إنتاج نفس الفساد والمحاصصة!

المناطق المنكوبة: كيف ستشارك في الانتخابات؟

في ظل هذه الأوضاع، كيف ستتمكن المناطق المنكوبة من المشاركة في الانتخابات؟
• بيروت والمتضررون من انفجار المرفأ: آلاف العائلات ما زالت دون تعويضات حقيقية، والبنى التحتية مدمرة، فكيف سيتمكن المواطن من الاقتراع في ظل هذا الوضع؟
• القرى الحدودية وبلدات الجنوب والبقاع والشمال: حيث لا خدمات ولا دعم ولا فرص عمل، فكيف سيتمكن الأهالي من اختيار ممثلين لهم في ظل هيمنة القوى النافذة؟
• طرابلس والمناطق الفقيرة: مدينة منكوبة تعاني من أعلى معدلات الفقر، بينما السلطة غائبة تمامًا. فكيف ستجرى الانتخابات في ظل غياب الأمن والخدمات الأساسية؟

إذا كانت الدولة عاجزة عن تقديم الحد الأدنى من الدعم لهذه المناطق، فكيف ستنظم انتخابات تعكس إرادة الناخبين فعلًا؟ أم أنها مجرد عملية شكلية لإضفاء شرعية على واقع فاسد؟

اللامركزية وتعديل القانون: مطلب شعبي أم مناورة سياسية؟

الجميع يتحدث عن ضرورة تعديل قانون الانتخابات واعتماد اللامركزية الإدارية، لكن السلطة الحاكمة تماطل منذ سنوات، فلماذا؟
• لأن اللامركزية الإدارية تعني توزيع الصلاحيات والموارد على البلديات، مما يحدّ من هيمنة الدولة المركزية على القرارات والميزانيات.
• لأن الأحزاب التقليدية تستفيد من النظام الحالي، الذي يسمح لها بإحكام قبضتها على المجالس البلدية عبر النفوذ المالي والطائفي.
• لأن الإصلاح الحقيقي قد يفتح الباب أمام محاسبة البلديات الفاسدة، وهو ما لا تريده الطبقة السياسية.

حتى اللحظة، لا يوجد أي توجه جدّي لاعتماد قانون جديد يراعي التمثيل العادل، ما يعني أن الانتخابات المقبلة ستجري وفق النظام الأكثري التقليدي، الذي يعزز هيمنة العائلات السياسية والقوى النافذة، بدلًا من إعطاء فرصة للمستقلين والتغييريين.

هل التأجيل وارد؟ ولمصلحة من؟

مع استمرار الأزمة المالية والسياسية، هناك أصوات تطالب بتأجيل الانتخابات مرة أخرى، كما حصل عام 2022.

الأسباب المطروحة للتأجيل:
1. نقص التمويل وعدم قدرة الدولة على تغطية التكاليف.
2. غياب الجهوزية اللوجستية والفنية.
3. مخاوف من اضطرابات أمنية قد تعيق العملية الانتخابية.

لكن السؤال الأهم: هل التأجيل ضرورة فعلية أم مجرد مناورة سياسية للإبقاء على الوضع كما هو؟

تأجيل الانتخابات يعني إبقاء البلديات الحالية في مواقعها، ما يمنح الأحزاب والقوى التقليدية مزيدًا من الوقت لتعزيز نفوذها، ويفقد المواطنين فرصة التغيير والمحاسبة.

الإصلاح المطلوب: كيف نعيد الثقة بالدولة؟

لبنان بحاجة إلى إصلاح شامل في إدارة الانتخابات والحكم المحلي، يشمل:
1. اعتماد الشفافية الكاملة في تمويل الانتخابات، بحيث لا تكون الميزانيات على حساب الخدمات العامة.
2. تعديل القانون الانتخابي واعتماد النسبية، لضمان تمثيل أكثر عدالة، بدلًا من النظام الأكثري الذي يكرس المحاصصة.
3. إقرار اللامركزية الإدارية الحقيقية، بحيث تتمتع البلديات بصلاحيات وموارد مستقلة بعيدًا عن تدخلات السلطة المركزية.
4. إلغاء عقلية التأجيل السياسي، لأن كل تأجيل يعني المزيد من الانهيار، والمزيد من تضييع حقوق المواطن.
5. إخضاع البلديات للرقابة الفعلية، حتى لا تتحول إلى أوكار جديدة للفساد والمحاصصة.

خاتمة: هل ستكون الانتخابات فرصة للتغيير أم إعادة إنتاج للفساد؟

الانتخابات البلدية لعام 2025 ليست مجرد استحقاق عادي، بل هي اختبار حقيقي لمدى التزام الدولة بمبادئ الديمقراطية والإصلاح.

إذا أُجريت الانتخابات في موعدها، فهل ستعكس نتائجها إرادة الناس؟ أم ستكون مجرد إعادة إنتاج للواقع السياسي القائم؟
وإذا تم تأجيلها، فهل سيكون ذلك بسبب العجز المالي الفعلي؟ أم أن السلطة الحاكمة لا تريد أن تعطي المواطنين فرصة للمحاسبة؟

المواطن اللبناني اليوم أمام مسؤولية كبيرة: إما أن يستسلم لمنظومة الفساد والمحاصصة، أو أن يستغل هذه الانتخابات لفرض التغيير، ولو تدريجيًا.

لكن يبقى السؤال الأهم: هل ستسمح له المنظومة بذلك؟

اخترنا لك