بقلم كوثر شيا – باحثة في الطب التكاملي
يشهد عالم الطب تطورًا ثوريًا مع ظهور لقاحات السرطان المخصصة لكل حالة على حدة، والتي تستهدف السرطان بناءً على خصائص فريدة لكل مريض. هذه التقنية لا تعتمد على علاج واحد يناسب الجميع، بل تُصمم لكل شخص حسب طبيعته البيولوجية، مما يجعلها أقرب إلى فلسفة الطب التكاملي التي تؤمن بأن كل إنسان فريد، ويحتاج إلى علاج متكامل يشمل الجسد والعقل والطاقة. حيث يعمل على الجسد والعواطف والعقل.
في العلاج الشمولي المتكامل، نعرف أن شخصين قد يعانيان من نفس المرض، لكن حالتهما العاطفية، النفسية، ومستوى الطاقة قد يكون مختلفًا تمامًا، مما يؤثر على طريقة شفائهما. واليوم، الطب الحديث بدأ يتبنى نفس الفكرة من خلال لقاحات السرطان الشخصية، التي تركز على الجسم الفردي لكل مريض بدلًا من العلاج العام للجميع.
ثورة جديدة في علاج السرطان
1. نتائج مذهلة في التجارب السريرية
التجارب الحديثة أظهرت نتائج مشجعة جدًا:
• لقاح موديرنا (Moderna mRNA Vaccine) لسرطان الرأس والعنق أدى إلى شفاء كامل لمريضين، بينما حافظ 14 مريضًا آخر على استقرار حالتهم. أما في علاج سرطان الجلد، فقد قلل اللقاح خطر عودة المرض أو الوفاة بنسبة 49% عند استخدامه مع علاج المناعة (Keytruda).
• لقاح TG4050 من شركة ترانسجين (Transgene’s TG4050 Vaccine) ساعد 100% من المرضى على البقاء بدون سرطان لمدة 18 شهرًا بعد الجراحة، مما يشير إلى دوره في منع عودة المرض.
• لقاح بيونتك لسرطان البنكرياس (BioNTech/Genentech’s Pancreatic Cancer Vaccine)، وهو من أصعب أنواع السرطان، أظهر أن 50% من المرضى طوروا استجابة مناعية قوية، ولم يصب أي منهم بانتكاسة بعد 18 شهرًا.
هذه النتائج مذهلة، خاصة في أنواع السرطان التي لم يكن لديها علاجات فعالة في الماضي.
2. لماذا تعمل هذه اللقاحات بكفاءة؟
تختلف لقاحات السرطان الشخصية عن العلاجات التقليدية لأنها تستهدف الخلايا السرطانية فقط دون التأثير على الخلايا السليمة، مما يقلل من الآثار الجانبية.
• كل ورم سرطاني يحتوي على طفرات جينية خاصة به، تنتج بروتينات فريدة تسمى “المستضدات الجديدة” (Neoantigens).
• يتم تحليل الحمض النووي للورم لتحديد هذه البروتينات الفريدة.
• باستخدام الذكاء الاصطناعي، يتم اختيار أهم المستضدات التي يمكن لجهاز المناعة التعرف عليها بسهولة.
• يتم تصنيع لقاح mRNA مخصص للمريض يحتوي على تعليمات لهذه البروتينات، مما يساعد الجهاز المناعي على التعرف على الخلايا السرطانية وتدميرها.
هذه التقنية تتماشى مع مبدأ العلاج بالطب التكاملي أو الشمولي كما يسميه الطب البديل أيضًا، الذي يبحث عن السبب الجذري للمرض ويعالجه بطريقة فردية لكل شخص. لأن كل شخص له عوارض مختلفة إذا ما نظرنا إلى الحالة الشمولية للمريض، أي نسبة الخوف، نسبة الألم، أو حتى نسبة الوعي تجاه التعامل مع المرض!!!
3. تكامل اللقاحات مع العلاجات الأخرى
عند استخدام لقاحات السرطان مع علاجات المناعة (مثل Keytruda)، فإن النتائج تكون أقوى بكثير. على سبيل المثال:
• في تجربة لقاح موديرنا لسرطان الجلد، أدى الجمع بين اللقاح وعلاج المناعة إلى مضاعفة نسبة الشفاء مقارنة باستخدام علاج المناعة وحده.
• اللقاحات أيضًا تساعد في جعل الأورام السرطانية أكثر استجابة للعلاج، حتى في الحالات التي كانت فيها مقاومة للعلاجات الأخرى.
هذا يشبه مبدأ الطب التكاملي، حيث يتم الجمع بين العلاجات المختلفة للحصول على نتيجة أقوى وأفضل.
لأن الغذاء هو أصل العلاج والدواء والنفسية وقدرة التحمل.
التحديات والحلول: كيف يتقدم العلم بسرعة؟
رغم بعض التحديات مثل التكلفة وصعوبة الإنتاج، هناك حلول ثورية قيد التطوير:
1. استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد المستضدات الجديدة (AI-Driven Neoantigen Prediction)
• شركات مثل بيونتك (BioNTech) ونيون ثيرابيوتكس (Neon Therapeutics) تستخدم الذكاء الاصطناعي لاختيار أكثر المستضدات فعالية، مما يزيد من كفاءة اللقاحات.
2. إنتاج أسرع وأرخص (Faster & Cheaper Manufacturing)
• لقاحات mRNA لا تحتاج إلى مزارع خلايا، بل يتم تصنيعها في المختبر خلال 6 أسابيع فقط بعد أخذ عينة من الورم.
• مع زيادة الإنتاج، ستنخفض التكلفة تمامًا كما حدث مع لقاحات كورونا.
3. دور الصحة النفسية والطاقة في نجاح العلاج
• العلاج باللقاحات هو جزء من الحل، وليس الحل بالكامل.
• الصحة العاطفية والنفسية تؤثر بشكل مباشر على جهاز المناعة، والضغوط النفسية قد تعيق استجابة الجسم للعلاج.
• دمج العلاج الطاقي، إزالة السموم، والعلاج النفسي يمكن أن يساعد في تحسين استجابة الجسم لهذه اللقاحات، مما يجعل العلاج أكثر فعالية.
المستقبل: عندما يجتمع العلم مع الطب التكاملي
1. ثورة في الأبحاث والتجارب السريرية
• هناك أكثر من 500 تجربة سريرية حاليًا لاختبار لقاحات السرطان الشخصية في أنواع مختلفة من السرطان، مما يشير إلى قرب تحولها إلى علاج رئيسي.
• العديد من اللقاحات حصلت على تصنيف “علاج ثوري” من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، مما يسرّع من الموافقة عليها.
2. إمكانية الوقاية من السرطان في المستقبل
• الباحثون يدرسون إمكانية استخدام هذه اللقاحات للوقاية من السرطان لدى الأشخاص المعرضين لخطر كبير، مثل حاملي الطفرات الجينية (BRCA, Lynch syndrome).
3. توفير العلاج بأسعار معقولة
• حاليًا، تكلفة اللقاح تبلغ حوالي 100,000 دولار لكل مريض، ولكن مع تطور التقنية، قد تنخفض إلى 10,000 دولار خلال بضع سنوات، مما يجعلها متاحة لشريحة أوسع من المرضى.
دمج تقنيات الكيمياء القديمة مع الطب الحديث
في العصور القديمة، كان علم الخيمياء القديمة (Alchemy) يسعى لتحويل المعادن إلى ذهب، ولكن في جوهره، كان يبحث عن التحول والتوازن. واليوم، لقاحات السرطان تحقق نفس الفكرة من خلال تحويل جهاز المناعة إلى أداة دقيقة للقضاء على المرض.
• يمكن استخدام تقنيات العلاج الطاقي والتغذية والتخلص من السموم لدعم هذه العلاجات.
• دمج العلم الحديث مع الحكمة القديمة قد يؤدي إلى نموذج جديد للعلاج يركز على الشفاء الشامل للجسم والعقل والطاقة.
كما قال د. أوغور شاهين، الرئيس التنفيذي لشركة بيونتك:
“في غضون 10 سنوات، ستكون لقاحات السرطان قد حلت محل معظم العلاجات الكيميائية.”
ولكن ماذا لو استطعنا الذهاب أبعد من ذلك؟ ماذا لو استطعنا إنشاء نظام طبي متكامل يمنع المرض قبل حدوثه، ويعيد التوازن الكامل للجسم والعقل والروح؟
نقطة تحول في عالم الطب
لقاحات السرطان الشخصية ليست مجرد تقدم طبي، بل نقلة نوعية في الطريقة التي ننظر بها إلى علاج السرطان. هذه العلاجات تتوافق مع فلسفة العلاج الشمولي لأنها تعترف بأن كل مريض فريد ويحتاج إلى علاج مصمم خصيصًا له.
مستقبل الطب سيكون اندماجًا بين التكنولوجيا الحديثة والعلاجات الشمولية المتكاملة، بين العلم والطاقة، بين المنطق والحدس، مما يقودنا إلى عالم يصبح فيه السرطان مرضًا يمكن علاجه والوقاية منه بسهولة