كيف نتجنب التحيّز ؟ وكيف نواجه استغلاله في الإعلام ووسائل التواصل ؟

هل نحن أحرار في أفكارنا أم أسرى التحيّز ؟

بقلم كوثر شيا

في عصر التواصل السريع، تغمرنا المعلومات من كل الاتجاهات، لكنها ليست دائمًا محايدة أو دقيقة. كثير من الناس يظنون أنهم يفكرون بحرية، لكن الحقيقة أن عقولهم محاطة بانحيازات خفية، بعضها ناتج عن التربية والمجتمع، وبعضها الآخر نتيجة حملات إعلامية مدروسة تهدف إلى التلاعب بالرأي العام.

في لبنان، التحيّز لا يقتصر على السياسة والإعلام، بل يتجاوز ذلك ليصل إلى العلاقات الاجتماعية وحتى العائلية. قد يتم تصنيفك سياسيًا أو فكريًا لمجرد أنك التقطت صورة مع شخص معين، أو لأنك دعمت فكرة أو فنانًا يخالف توجهات محيطك. تصبح الأحكام مسبقة، ويتم تجاهل القضايا التي تطرحها لمجرد أن رأيك لا يتطابق مع آراء الآخرين. هنا، يتحوّل الحوار إلى هجوم شخصي، وتضيع القضايا الحقيقية وسط الاتهامات.

لكن، كيف يمكننا كأفراد ومجتمع مواجهة هذا الواقع؟ كيف نحمي أنفسنا من استغلال التحيّز في الإعلام ووسائل التواصل، ونضمن أن يكون الحوار قائمًا على الحقائق بدلًا من الأحكام المسبقة؟

ما هو التحيّز ؟ وكيف يتم استغلاله ضد المجتمع ؟

التحيّز هو ميلٌ لا إرادي لتصديق معلومات معيّنة دون تحليلها نقديًا، فقط لأنها تتماشى مع قناعاتنا أو تخدم مصالحنا العاطفية والاجتماعية. المشكلة ليست فقط في وجود التحيّز، بل في استغلاله لصناعة الأكاذيب، وشيطنة الآخرين، ونشر الخوف والغضب في المجتمع.

أمثلة على استغلال التحيّز في لبنان

• التحيّز السياسي: يتم تضخيم أخطاء طرف معين وتجاهل أخطاء الأطراف الأخرى، مما يمنع المواطنين من رؤية المشكلة الحقيقية.
• التحيّز الطائفي: يتم الترويج لفكرة أن “الطائفة الفلانية هي سبب الأزمة”، بينما الواقع أن الفساد لا يعرف طائفة.
• التحيّز الإعلامي: بعض القنوات تختار عرض جزء من الحقيقة فقط لإثارة مشاعر معيّنة، بينما تخفي الأجزاء التي قد تُغير وجهة نظر المشاهد.
• وسائل التواصل كسلاح نفسي: تُستخدم حسابات وهمية لنشر أخبار مضللة، وتحريض الناس ضد بعضهم البعض، والتلاعب بمشاعرهم.
• التحيّز الاجتماعي والعائلي: قد تجد نفسك متهمًا بالانتماء إلى طرف سياسي معين لمجرد أن عائلتك تتبع هذا التوجه، أو لأنك تواصلت مع شخص يحمل رأيًا مختلفًا عن السائد في محيطك. يتم إسقاط الآراء على الأشخاص بدلًا من مناقشتها بموضوعية.

وسائل التواصل : هل هي أداة حرية أم سلاح فتنة ؟

المزايا (Advantages)

إيصال الصوت الحر: يمكن للأفراد التعبير عن آرائهم وكشف الحقائق التي لا يُنشرها الإعلام التقليدي.
مشاركة المعلومات بسرعة: تساعد في نشر الوعي حول قضايا حقوقية أو فساد بشكل أسرع من أي وسيلة أخرى.
خلق فرص للحوار: عندما تُستخدم بوعي، يمكنها أن تكون مساحة للنقاش البنّاء بين المختلفين.

العيوب (Disadvantages)

منصة لتشويه السمعة: تُستخدم لتدمير صورة شخص أو جهة عبر حملات مدفوعة أو حسابات مجهولة.
ترويج الأكاذيب: أي شخص يستطيع نشر خبر زائف، وقد يصبح حقيقة عند الكثيرين بمجرد تكراره.
تأجيج الكراهية: الخطاب التحريضي ينتشر بسرعة، مما يعزز الانقسامات بدلًا من إيجاد حلول.
التحيّز الخوارزمي: تعرض وسائل التواصل المحتوى الذي يتماشى مع آرائنا فقط، مما يجعلنا نعيش في “فقاعة فكرية” تمنعنا من رؤية الصورة الكاملة.

كيف نحارب التحيّز والمحتوى المُضلل ؟ حلول فردية وجماعية

أ. على المستوى الفردي
1. تحقق قبل أن تشارك: لا تنشر خبرًا أو معلومة لمجرد أنها تثير مشاعرك، بل تحقق من مصادرها.
2. لا تكن أداة تحريض: حتى لو كنت غاضبًا، لا تسمح لأحد أن يستغل مشاعرك لنشر الكراهية.
3. انفتح على وجهات نظر مختلفة: استمع للطرف الآخر وحاول فهم منطقه، فقد تكتشف أن الحقيقة ليست كما كنت تظن.
4. استخدم منصات التحقق: مثل “Meta Fact-Checking”, “مضاد”, أو أي مصدر مستقل يفضح الأخبار الكاذبة.
5. احمِ نفسك من التأثير العاطفي: قبل أن تصدق خبرًا صادمًا، اسأل نفسك: من المستفيد من نشره؟

ب. على مستوى المجتمع
• ورش عمل في المدارس والجامعات: لتدريب الطلاب على التفكير النقدي والتعامل مع المعلومات بوعي.
• حملات توعية: عبر الإعلام والمجتمع المدني، لنشر ثقافة التحقق قبل مشاركة أي محتوى.
• إلزام القنوات الإعلامية بالشفافية: عبر قوانين تُجبرها على توضيح مصادر أخبارها وعدم التلاعب بالمعلومات.

ج. على مستوى الدولة والقانون
1. تشديد قوانين مكافحة التضليل الإعلامي
• فرض عقوبات على وسائل الإعلام التي تنشر أخبارًا كاذبة دون تصحيحها.
• إلزام المواقع الإخبارية بالإشارة بوضوح إلى مصادر معلوماتها.
2. مكافحة التحرّش الإعلامي والرقمي (Harassment on Social Media)
• وضع قوانين صارمة ضد الحسابات الوهمية التي تنشر خطاب الكراهية أو تهدد الأفراد.
• توفير آلية سهلة للضحايا للإبلاغ عن التحرّش الإلكتروني وحملات التشهير.
• إجبار منصات التواصل الاجتماعي على التعاون مع الجهات المختصة لمكافحة حملات التضليل.
3. تنظيم منصات التواصل دون تقييد الحريات
• إنشاء لجنة وطنية مستقلة تراقب الأخبار المضللة، دون أن تتحول إلى أداة لقمع الآراء.
• إلزام شركات وسائل التواصل بحذف المحتوى المُحرِّض أو الكاذب بناءً على معايير واضحة.

كيف يمكن للبنان الاستفادة من تجارب دول أخرى ؟

• فنلندا: جعلت “التفكير النقدي” جزءًا أساسيًا من التعليم، فقلّ تأثير الأخبار الكاذبة بين المواطنين.
• ألمانيا: فرضت غرامات مالية ضخمة على منصات مثل فيسبوك إذا لم تحذف المنشورات التي تحرّض على الكراهية.
• السويد: أطلقت برامج حكومية للتوعية الرقمية، تُعلّم المواطنين كيفية تحليل الأخبار والتأكد من صحتها.
• الإمارات: لديها قوانين صارمة ضد نشر الشائعات، مع تطبيق عقوبات فعلية على المخالفين.

وعينا هو سلاحنا الحقيقي

في لبنان، حيث الانقسامات تُغذّى يوميًا عبر الإعلام ووسائل التواصل، يصبح وعينا هو السلاح الأهم لحماية أنفسنا من التلاعب. الحل ليس في الصمت أو الخوف، بل في امتلاك القدرة على التفكير بحرية، والتشكيك في الروايات المفروضة علينا، والمطالبة بإعلام مسؤول وقوانين تحمي الأفراد من الاستغلال الرقمي.

تذكّر، الحقيقة ليست دائمًا ما نرغب في سماعه، لكنها دائمًا ما نحتاج إلى معرفته.

اخترنا لك