إحياء فكر كمال جنبلاط : من الاستذكار إلى بناء مدرسة تغيّر الواقع

بقلم كوثر شيا

تحلّ الذكرى الثامنة والأربعون لاغتيال كمال جنبلاط في مرحلة مفصلية من تاريخ لبنان، حيث تواجه البلاد تحديات غير مسبوقة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وفي الوقت الذي يُستذكر فيه مسيرته، يبرز سؤالٌ جوهري: كيف يُكرَّم كمال جنبلاط حقًا ؟ هل يكفي الاحتفال به عبر الخطابات، أم يجب أن يُصبح فكره منارةً لبناء مستقبلٍ أفضل ؟

كمال جنبلاط… فكرٌ يُعلّم لا مجرد ذكرى تُستعاد

كمال جنبلاط لم يكن مجرد زعيم سياسي، بل كان حاملًا لرؤية إنسانية قائمة على العدالة الاجتماعية، الحرية، والمساواة. كان يرى في الدولة مؤسسة تخدم الإنسان، لا ساحة لتقاسم النفوذ والمصالح. واليوم، المسؤولية التاريخية أمامكم: تحويل إرثه إلى مدرسة فكرية تُخرّج قادةً يؤمنون بأن “الدولة العادلة لا تقوم على الامتيازات، بل على الحقوق المتساوية.”

كيف تُترجم هذه الرؤية ؟
• بجعل العدالة الاجتماعية نظامًا حقيقيًا، لا شعارًا يُرفع في المناسبات.
• بتربية جيل جديد يقدّس الكفاءة والوطنية، لا المحسوبيات والزبائنية.
• بخطاب سياسي يعبر عن المواطنة الحقيقية، لا الطائفية والمصالح الضيقة.

بين المبادئ والممارسات: هل تستحقون إرثه ؟

لطالما ادّعت الأحزاب السياسية تبنيها للإصلاح، لكن الواقع يقول إنها أصبحت جزءًا من منظومة تكرّس الامتيازات بدل تكافؤ الفرص. من الإدارات العامة إلى البلديات، يُدار لبنان بعقلية الولاءات، لا الكفاءات. فإذا كان هناك إيمانٌ حقيقي بفكر كمال جنبلاط، لا بد من :
1. وقف التعيينات السياسية، واعتماد الكفاءة معيارًا وحيدًا لشغل المناصب.
2. إعادة هيكلة المؤسسات لتصبح شفافة وخاضعة للمساءلة.
3. تعزيز ثقافة المواطنة، حيث الولاء للوطن فوق كل انتماء.

كمال جنبلاط قال : “الحرية لا تكتمل إلا بالمسؤولية.” فهل هناك مسؤولية في إدارة الدولة اليوم ؟ أم أن الفوضى واللامبالاة لا تزالان تحكمان المشهد؟

نحو مشروع يُعيد بناء الدولة وفق فكر كمال جنبلاط

السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل هناك مشروع حقيقي يستند إلى فكر كمال جنبلاط لإعادة بناء الدولة، أم أن إرثه يُستخدم فقط في المناسبات؟

الواقع يقول إن لبنان يحتاج إلى نهضة فكرية وسياسية حقيقية، وليس مجرد شعارات. فالأزمات التي تعيشونها اليوم تتطلب أكثر من التذكير بمبادئ العدالة والحرية؛ إنها تتطلب تطبيق هذه المبادئ في الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

إذا كان هناك التزامٌ بتحويل فكر كمال جنبلاط إلى رؤية قابلة للتنفيذ، فهناك ثلاث مستويات أساسية يجب العمل عليها:

1. على المستوى الفكري: تأسيس “مدرسة كمال جنبلاط للفكر الإصلاحي”
• إنشاء مركز فكري وأكاديمي يدرّس فلسفته حول العدالة الاجتماعية، الحرية، والحوكمة الرشيدة.
• تنظيم منتديات فكرية تجمع الشباب والمثقفين لمناقشة كيفية تطبيق مبادئه في الواقع اللبناني.
• تقديم دورات تدريبية في القيادة والإدارة العامة المستندة إلى الكفاءة وليس الولاءات السياسية.

2. على المستوى السياسي: بناء تيار إصلاحي يُجسّد فكره
• إطلاق حراك سياسي غير طائفي يستند إلى المبادئ التي نادى بها جنبلاط، بعيدًا عن الاصطفافات التقليدية.
• الضغط من أجل إصلاح النظام الإداري عبر قوانين تمنع التوظيف العشوائي والتعيينات السياسية.
• دعم المرشحين المستقلين المؤمنين بفكر الدولة العادلة في الانتخابات المقبلة.

3. على المستوى الاقتصادي والاجتماعي: تحقيق العدالة في الفرص والحقوق
• العمل على مشاريع اقتصادية محلية تحارب الاحتكار وتدعم الطبقة الوسطى.
• تعزيز حقوق الإنسان والمواطنة عبر مشاريع قوانين تُطبّق فعليًا، وليس مجرد وعود انتخابية.
• دعم المبادرات البيئية والاجتماعية التي تضع الإنسان في صلب السياسات العامة، كما كان يدعو كمال جنبلاط.

رسالة إلى من يضعون الورود على ضريحه

إذا كان البعض سيضع الورود على ضريحه اليوم، فذلك جميل… لكنه لا يكفي. في طريق العودة إلى المنزل، هناك أسئلة لا بد أن تُطرح:
• هل تُجسَّد قيمه في الواقع؟ أم أن الفساد والمحسوبيات ما زالت تحكم مؤسسات الدولة؟
• هل يتم اختيار الضمير على الولاء الأعمى؟ أم أن المصالح الشخصية ما زالت تُغلب على المبادئ؟
• هل تُترجم الحرية إلى مسؤولية؟ أم أن الحرية أصبحت غطاءً للفوضى؟

كمال جنبلاط قال : “إذا خيروك بين حزبك وضميرك، فاختر ضميرك، فالحزب زائل والضمير هو الباقي.”

إن كان هناك حبٌّ حقيقي لكمال جنبلاط، فلا تكتفوا بالورود… اجعلوا أفكاره منهجًا لحياتكم. هذا هو التكريم الحقيقي.

نداء من ثوار 17 تشرين إلى محبي كمال جنبلاط

لا تُضيّعوا إرث كمال جنبلاط في التمجيد الكلامي، بل حوّلوه إلى منصة عمل تغيّر الواقع. لا يكون الوفاء له بالشعارات، بل بتحقيق العدالة والمساواة في لبنان، كما أرادها.

إذا كنتم تؤمنون بفكر كمال جنبلاط، فلتكن ذكراه فرصةً لمراجعة الذات، ولتكونوا جزءًا من التغيير الفعلي.

كمال جنبلاط لم يمت… فكره حي في كل من يؤمن بالعدالة. فلتحملوا هذه الرسالة، ولتجعلوا لبنان يستحق اسمه.

اخترنا لك