ماذا يعني أنْ تكون سعيدًا في لبنان؟

بقلم عقل العويط

ماذا يعني أنْ تكون سعيدًا في لبنان، سأل أحدُهم أحدَهم؟

أجاب: يعني، باختصارٍ بليغ، أنْ تكون بلا مخّ.

أي أنْ تكون خارج الوجود الحسيّ، خارج الواقع، وخارج الجاذبيّة. وبلا مشاعر، وبلا أحاسيس، وبلا تفكير، وبلا ضمير، وبلا قلب، وبلا عقل.

أي أنْ تكون فاضي البال. وبلا دم.

وأيضًا أنْ تكون في حالةٍ توازي الألزهايمر، أي في الدرجة صفر من الحسّ والوجود.

هذا، مع الاحترام الشديد لمرضى الالزهايمر هؤلاء، ولأهاليهم، ولكلّ مَن يمتّ إليهم بصلة.

أنْ تكون سعيدًا، وفي لبنان، يعني خصوصًا وأيضًا، في تحليلٍ آخر، موازٍ:

أنْ تكون حضرتكَ من العصابة إيّاها، الإجراميّة السياسيّة والماليّة والاقتصاديّة والميليشيويّة، التي أوصلت أهلنا وناسنا وبلادنا إلى الرتبة 142 في مؤشّر السعادة العالميّ الذي صدر قبل أيّام.

أو أنْ تدور في فلك هذه العصابة، مباشرةً أو مداورةً.

مداورةً: تعني أن تكون في كواليس هذه العصابة، وليس في دائرة الضوء المباشر، ووراء الستارة.

بمرارةٍ وبعبثٍ عدميّ، يقول أحدُنا لأحدِنا متداركًا، وهو يعاين مرتبة لبنان في مؤشّر التعاسة – السعادة:

إضحكْ في عبّكَ. إذ يجب أنْ تكون سعيدًا بهذه النتيجة، لأنّ بلدكَ لا يحتلّ المرتبة الأخيرة في هذا المؤشّر. ذلك أنّ دولتين في العالم لا تزالان تسبقان لبنان في التعاسة، وتمنعانه من تحقيق قصب السبق في هذا المجد العظيم: سييراليون وأفغانستان.

وإذ أردتَ أنْ تقيم مقارنةً بين الشخص التاعس والشخص السعيد في لبنان، خاطب أحدُهم أحدَهم، فليس عليكَ سوى أنْ تتأمّل مسوخ الدعارة السياسيّة، ووجوه المصرفيّين ورجال المال وجملة قطّاع الطرق في الطبقة الحاكمة التي استولت على لبنان، بقادتها وقوّاديها، كبارها وصغارها وأزلامها وحرّاسها ومرشديها وبلطجيّيها على الإطلاق.

فهؤلاء هم السعادة جسدًا وروحًا، وطبقتهم هي السعادة بعينها، وبذاتها، ومجسَّدةً، وبالروح والدم والسلاح والمال نفديكِ، يا العصابة العميقة التي تمنع هذه البلاد من أنْ تقف على رجليها، وتستعيد أنفاسها، وتباشر عمليّة الإصلاح الشائكة، حائلةً دون ولادتَها حتّى اللحظة.

وسأل أحدُهُم أحدَهم: هل هذا يعني أنّنا سنبقى تعساء، فلا نحظى بالسعادة، ولو بجائزة ترضية فيها، وإلى أبد الآبدين؟

أجاب: ما دمنا بلا مخّ، وبلا دم، وبلا تفكير، وبلا قلب وعقل، وموتى، وتماسيح، وقوّادين، وسرّاقين، وقابلين بالأمر الواقع، وغير قادرين على قلب الطاولة على دولة الفساد والشرّ، وعاملين على إعادة إنتاجها، بل معرقلين الحكومة والعهد، فإنّنا نستأهل ونستحقّ أنْ نصل، لا إلى الرتبة القصوى في مؤشّر التعاسة الأمميّة، وهنا، بل نستحقّ أنْ نصل إلى مرّيخ التعاسة. آمين.

اخترنا لك