NW
كان يمكن لرئيس الحكومة نواف سلام إدارة ملف تعيين حاكم مصرف لبنان بطريقة بعيدة من الانطباع الذي ساد بعد جلسة مجلس الوزراء بأن ثمة رابحاً وخاسراً.
المهم أن الآلية الدستورية التي يُشهد لنواف سلام أنه دعا إليها والتزمها، خففت من وقع الاختبار الأول بين الرئاستين الأولى والثالثة.
كريم سعيد كان الاسم الأبرز ولأسابيع خلت، من كان مرشح سلام؟ ثمة اسم طلب عدم إدراجه ضمن المرشحين، واسم آخر لطخت سمعته «كلنا إرادة».
انتصر الرئيس جوزاف عون بقوة الدستور، وكانت جرأة منه أن تبنى على هذه المسألة سابقة التصويت، إذا تعذر التوافق وذلك تقيداً بـ «دستور الطائف».
فقد عين مجلس الوزراء كريم سعيد حاكماً لمصرف لبنان بعد التصويت ونيله 17 صوتاً من أصل 24. وصوت وزراء «القوات اللبنانية» و «حزب الله» و «حركة أمل» و «التقدمي الإشتراكي» و»الكتائب»، كما وزراء رئيس الجمهورية لمصلحة سعيد.
فيما امتنع رئيس الحكومة، ونائبه طارق متري ووزير الثقافة غسان سلامة، وزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيد، وزير التنمية الإدارية فادي مكي، وزير الاقتصاد عامر البساط ووزيرة التربية ريما كرامي.
دور رئيسي لوزراء «القوات»
في التفاصيل، علمت «نداء الوطن» أن الوزراء المحسوبين على «القوات» لعبوا دوراً رئيسياً في خلق جوّ من التوافق وتفادي الصدام في مجلس الوزراء، فاقترح الوزير جو عيسى الخوري أن تتم دعوة المرشح الأكثر تقدماً بين الأسماء المطروحة لمناقشته في المجلس كي يتخذ الوزراء القرار المناسب. وقد وافق رئيس الجمهورية على ذلك، فحضر كريم سعيد إلى القصر وحصل نقاش معه داخل الجلسة، وطرحت معه بعض النقاط التي أثيرت حوله في الإعلام، وأجاب عليها، مما يعني أن مواقفه وردوده سُجلت في محضر الجلسة، وهي بمثابة التزام منه أمام الحكومة.
تضيف المصادر، لقد أوضح سعيد رؤيته بما يختص بحماية حقوق المودعين كأولوية وتوزيع المسؤوليات، والتراتبية في الأولويات والشفافية والمحاسبة، كما أكد عدم وجود علاقة بينه وبين أي مصرف أو صاحب مصرف. وأوضح أنه تبرع لجامعة «هارفرد» التي كتبت رأيها الأكاديمي المستقل من دون تدخل منه.
وتلفت المصادر إلى أن مقابلة مرشح حاكمية مصرف لبنان في مجلس الوزراء، تسجل كسابقة في التعاطي مع الوظائف الكبرى الحساسة بشفافية خصوصاً أن ما يقال في الجلسة هو مسجل صوتياً ومدون في المحاضر.
التباين لن يؤثر على الحكومة
وفي السياق، علمت «نداء الوطن» أن جواً من الارتياح ساد داخل أروقة قصر بعبدا، عقب تعيين سعيد، لكون هذا المنصب يشكل مدخلاً لأي إصلاح ولانطلاق خطة التعافي الاقتصادي. وقد حاول الرئيس عون حتى اللحظات الأخيرة حصول توافق لكن وفي ضوء عدم نجاح المساعي، لجأ رئيس الجمهورية إلى الدستور الذي ينص على التصويت وتم اختيار سعيد وفق آليات دستورية.
وتلفت مصادر بعبدا إلى أن التباين الذي حصل بين عون وسلام، لن يؤثر على سير عمل الحكومة ولن يكون سبباً لتعطيل عملها، وكل ما يحكى عن تهديد سلام بالاستقالة غير صحيح. فرئيس الجمهورية يريد تسيير شؤون المؤسسات والشعب، ويبذل قصارى جهده للتوافق، لكن إذا لم يحصل التوافق فسيلجأ إلى التصويت، إذ لا يمكن لوزير أن يعارض أمراً ما ويبقي البلاد معلقة لكي يرضى، في حين أن آليات الدستور واضحة لاتخاذ القرار، لذلك لن يقبل الرئيس عون بتعطيل عمل الحكومة.
مسلك تكاملي
في المقابل، أكدت مصادر السراي الحكومي لـ «نداء الوطن»، أن رئيس الحكومة بقي على تحفظه بالنسبة إلى تعيين سعيد حاكماً للمركزي، نتيجة مخاوف لها علاقة بمواقفه المالية السابقة، ولكن الآن حسب سلام، يجب التعاطي وفق السياسة المالية والنقدية التي ستضعها الحكومة.
والأهم، بحسب المصادر، أنّ الانقسام في ملف حاكمية «المركزي» لم يتّخذ أي طابع مذهبي أو طائفي، مشيرة إلى أنّ سلام يعتبر نفسه بمسلك تكاملي مع رئيس الجمهورية في تحقيق الإصلاح، وأنّ الأمر لا يتعلّق بأي صراع سياسي أو صراع على الأشخاص، نافية وجود أي خلاف مع الرئاسة الأولى بل مجرّد اختلاف في وجهات النظر، على أن يبقى التنسيق والتواصل قائماً بين السراي وبعبدا.
وأضافت المصادر، أن رئيس الحكومة يلتزم بالدستور، وبما أنّ الدستور ينص على الذهاب إلى التصويت في حال عدم التوافق، اعتُمد هذا الخيار واحترم النتيجة.
ورأت مصادر السراي، أنّ ما حصل في ملف «مصرف لبنان» ليس بالضرورة أن ينسحب على باقي التعيينات، وأنّ سلام متمسّك باحترام الآلية في التعيينات، وهذا ما اعتمد في ملف «تلفزيون لبنان» بالإجماع في مجلس الوزراء، والآلية ستكون معتمدة أيضاً في امتحانات أخرى منها «مجلس الإنماء والإعمار». واعتبرت المصادر أنّ المؤشر الأوّل على المنهجية الإصلاحية التي اعتمدتها الحكومة هو إقرار رفع السرية المصرفية في جلسة أمس الخميس.
الموقف الأخطر
إذاً، لم يكن الوصول إلى مرحلة التصويت داخل مجلس الوزراء على تعيين الحاكم الجديد لمصرف لبنان هو الأسوأ، بل إن الأخطر ظهر بعد الجلسة مباشرة من خلال الموقف المقتضب، الذي أعلنه سلام، عندما برّر للرأي العام أسباب عدم موافقته على اسم الحاكم. إذ بمجرد أن اعتبر رئيس الحكومة أنه رفض سعيد، لأنه حريص على حقوق المودعين، وعلى أصول الدولة، يدفع في اتجاه طرح التساؤلات التالية:
أولاً- هل رئيس الجمهورية ومعه 17 وزيراً، ليسوا حريصين على حقوق المودعين؟ وهل رئيس الحكومة حريص على أصول الدولة بعكس الذين صوتوا لـ «سعيد»؟
ثانياً- هل المعركة كانت فعلاً بين فريق داعم لحقوق المودعين وفريق آخر يريد قضم هذه الحقوق؟ هل هذه هي الصورة التي تريد الدولة إعطاءها عن نفسها في الداخل والخارج؟
ثالثاً- من قال إن الدولة تستطيع حل أزمة المودعين من دون أن تشارك في دفع ديونها أو جزء منها، من خلال تحسين إدارة أصولها وإشراك القطاع الخاص في هذه العملية.