بقلم د. علي خليفة
أشدّ من القتل خطبة هذا المسمّى المفتي الجعفري الممتاز ومواقفه ونوازعه. فهو يفتي بإعادة انتخاب الثنائي “أمل – حزب اللّه”، بمناسبة وبغير مناسبة، قبل وبعد كل النكبات التي جرّها ويجرّها “الثنائي” على الشيعة واللبنانيين، بسبب الخيارات الخاطئة والرهانات القاتلة والممارسة الجائرة للسلطة.
ينشغل المفتن بالترويج الإعلامي الحزبي لكأنه موظّف لدى “الثنائي” بدرجة تقدير ممتاز على الطاعة والتبعية، لا موظف في ملاك الدولة اللبنانية ويُسدّد اللبنانيون واللبنانيات أعباء تقاضيه أجره ومخصّصاته وأكلاف تسيير شؤون مؤسسات الإفتاء وفق القانون المتعلّق بتنظيم شؤون الطائفة الإسلامية الشيعية في لبنان. أهم فتاويه، على وزن بلاويه : “التصويت للثنائي واجب وطني وديني وأخلاقي! والتردّد بذلك حرام! واعتزال الانتخابات حرام! والورقة البيضاء حرام!”.
هذه انشغالات المفتن، وشتّان منه المفتي المجتهد والمتعفّف والمتبحّر بشوارد الفقه وشرائط الإفتاء وقضايا الدين إزاء إشكاليات التجدّد ومواكبة الناجز الاجتماعي والثقافي، بما يسمح أيضاً بالإطلالة على الشأن السياسي وإنما من زاوية التذكير بالمرجعية الأخلاقية الناظمة للممارسة السياسية وبمقتضيات سياسة الحقيقة.
إن الجماعة اللبنانية الشيعية، مفتيها اليوم مفتنها. وانسلاخها عن النسيج اللبناني المتعدّد وعن نخبها وعن الوجدان اللبناني الشيعي تمّ مع تحويل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى محفلاً دينيّاً مغلقاً وبوقاً حزبيّاً أجوف. مجلس لم يعد كما أراده مؤسّسه مظلّة لكلّ الشيعة على اختلاف مشاربهم، بل أضحى مجلس الثنائي الشيعي الأعلى.
وأضحى بؤرة لشتى المخالفات القانونية الفاقعة والفساد المستشري والظلامة المدقعة. مجلس المحسوبيات والتفريط بأوقاف الطائفة والتعيينات المصلحية ومنها تعيين المفتن مفتياً. ووضع اليد السياسية الحزبية على المؤسسة الدينية واستلحاقها بطموح السلطة وجموح الحكم. بل أكثر من ذلك، غدا مجلس الثنائي الشيعي الأعلى شركة مساهمة مستوردة للحديد والباطون… واللانجري! فهو في أدائه الحالي، يرعى الفوضى عوضاً عن شؤون الطائفة الشيعية، يترك واجباته الرقابية والمالية المنصوص عنها في نظامه الداخلي وصولاً حتى إلى الاشتراك في جريمة تبييض الأموال!
إن واقع حال الإفتاء الجعفري والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى لا يعني القطاع الديني فحسب بل يعني كلّ مدني شيعي انطلاقاً من دور المجلس السياسي والوطني ويعني كل لبنان بطبيعة عقد الائتلاف اللبناني وثقافة المجتمع. وما آلت إليه مواقف المفتي الجعفري الممتاز وممارسات المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى يشكل إهانة للطائفة اللبنانية الشيعية بنخبها ووجدانها وهويّتها، ما يستدعي رفع الصوت واستنفار الأقلام وحثّ الجهود واستنهاض الهمم لإصلاح المشاركة الشيعية في الحياة العامة اللبنانية.