بقلم عقل العويط
وتُهدهدونَ القتلَ بخمسينَ موتًا وبأغنياتٍ عقيمةٍ وبأضغاثٍ وتهاجرونَ في الهواءِ اليتيمِ وكما يفعلُ طفلٌ برائحةِ أبيهِ تفترشونَ الأسرّةَ الرخيمةَ وتغطّونَ الموتَ بلحفٍ سميكةٍ تقيهِ وجعَ البردِ وكما يغفو ركامٌ في عواءِ بيوتٍ مريضةٍ تُغفّونَهُ وكما دموعٌ تُطرّزُ الحدقاتِ تُطرّزونَ شهواتِهِ ليحلمَ بنشوةِ الخلودِ وتتنزّهونَ على متونِ الهباءِ الرجيمِ وتهاجرونَ في الحدائقِ النكراءِ في المقابرِ المحدِّقةِ في الجنونِ حيثُ الزهورُ الأراملُ حيثُ السهولُ المسمومةُ حيثُ العليلةُ الأوديةُ حيثُ تُصِمُّ قلوبَها الجبالُ وهناكَ حيثُ نظراتٌ كتلكَ التي خرجتْ إلى بحرٍ قتيلٍ وعادتْ تستفقدُ عيونَها المفقوءةَ وهناكَ حيثُ ابتساماتٌ كتلكَ التي استؤصِلتْ لتُلقى في مزهريّاتٍ مكلومةٍ وهناكَ كانتْ لكم حياةٌ هناكَ بلذّةِ مَن لا يرتجونَ حياةً ولا قيامةً وهناكَ كانتْ لكم أجسامٌ وأرواحٌ لا تسهدُ لا تنامُ وهناكَ هناكَ حيثُ العدمُ هناكَ
وأينَ الموتى
الذين
مثلكم
لم يُدفَنوا
وهناكَ
أينَ الينابيعُ
التي
مثلكم
لم يتسنَّ لها أنْ تلتحقَ بالأنهارِ
وأينَ الكتبُ هناكَ
وهاتيكَ التي
على غرارِكُم
كُتِبتْ ولم تُنشَرْ
وخمسونَ عامًا وأنتم تأكلونَ الترابَ والحصرمَ وهائلٌ ومريعٌ هو إلهُكُم الأبكمُ الأصمُّ الأعمى ومُضنٍ سَهَرُكُم بلا أفقٍ ومعطوبةٌ يقظاتُكُم لأنّها يقظى وعظامُكم تُحفَظُ في المشارحِ في ثلّاجاتِ الأعمارِ وفي معارضِ الجثثِ أيديكُم تلوّحُ للفائزينَ وهاتوا الركامَ لقيلولاتِكم وهاتوا الحطامَ والهشيمَ هاتوهُ لتتشمّسوا فوقَ الضرائحِ وممتعةٌ هي المقتلاتُ كأعراسٍ تتربّصونَ بها وكمثلِ سكارى تسكرونَ بماءٍ عبثيٍّ وكالفوحِ السعيدِ المُنتِنِ تفتحونَ نوافذَ الليلكِ وكالغناءِ الباهظِ تفتحونَ الوقتَ ويا لكم حمقى يا لكم حمقى
وإنّي
مثلما يُفتَقَدُ عمرٌ أفتقدُكِ يا بلادًا لم أعِشْها وأكرهُكِ كما تكرهُني امرأةٌ هَجَرْتُها قبل أنْ أعرفَها وأنامَها يا لكِ لعنةً ملعونةً يا لكِ ملعونةً وحمقاءَ يا لكِ حمقاءَ يا امرأةً يا بلادًا تشبهينَ جنينًا لم يبصرْ وتفّاحًا لم يُتلمّظْ بمذاقهِ وإنّي يتيمُكِ وخليلُكِ وغيمُكِ الذي لا يمطرُ وقمرُكِ الذي لا يذرفُ وإنّي جروحُكِ يا مسيحةَ الخمسةِ الجروحِ وإنّي مساميرُكِ وحجرُ قبرِكِ ويهوذاكِ وأسخريوطكِ وإنّي يا أمّي مغدورُكِ وكما آبُ هو أقسى الشهورِ فإنّي أنا نيسانُكِ وهو خلاصةُ أذاكِ وعارِكِ ومثلما تَُكفِّرين عن جسومِكِ أكفّرُ أنا عن روحي وإنّي أُحشرجُ وأموتُ منذ خمسين موتًا مثلما أنتِ تموتينَ وتُحشرجينَ وأهرعُ إليكِ مثلما تهرعينَ إلى دمائي ودموعي وإنّي لطيفُكِ وحاشيتُكِ الأليمةُ ولا كواكبَ لي إلّا ظلالُكِ على قبري ووقتي والذين قتلوكِ لا يزالونَ هنا يقتلونكِ والذينَ دفنوكِ ها هم يدفنونكِ
وإنّي
ومَن منكم بلا خطيئةٍ فليرجمْني بلعنةِ حجرٍ ومَرّةً مناديًا أنْ تُسعفوا موتًا لكي يموتَ ومرّةً وكلَّ مرّةٍ كيف ننامُ كيف ننامُ ومرّةً نخسرُ المناماتِ لأنّنا نخسرُ النومَ ومرّةً يستحيلُ أنْ نبصرَ مناماتِنا ونحن نيامٌ ولن نستطيعَ أنْ ننامَ وحين لا يعودُ ثمّةَ أجسامٌ ننامُ فيها فكيف لأناسٍ أنْ يناموا إذا كانوا إذا سيكونونَ بلا أجسامٍ ثمّ إنّ النومَ مستحيلٌ إذا استحالت المطارحُ والأمكنةُ فخذوا الأرضَ مثلًا فإذا لم تعدِ الأرضُ موجودةً فكيف لحجرٍ أنْ يرقدَ أنْ ينامَ وهذه الليلةَ وهذه المرّةَ يصعبُ على النجومِ أنْ تغمضَ في أضرحتِها فالنجومُ الكواكبُ والمجرّاتُ تسألُ إذا الأرضُ تضيقُ بالأضرحةِ فلِمَ لا تضيقُ بها السماءُ ومرّةً كهذه المرّةِ أرى الموتى خارجَ قبورهِم ليُنأى بهم عن القبورِ ومرّةً كهذه المرّةِ هم يخرجونَ بلا أصواتِهم فبأيِّ أصواتٍ يسترشدونَ ومرّةً نربحُ الأضرحةَ ومرّةً نخسرُ الأضرحةَ فلا يستعاضُ عنها بتربةٍ ولا بالمحارقِ مثلًا ولا بحفرِ الباطن ولا بالموتِ الافتراضيِّ ولا أيضًا بالحياةِ ومرّةً أنتَ ومرّةً لغتُكَ زيتونةٌ وليست قاعًا صفصفًا ولا قعرًا لهاويةٍ ومرّةً حشرجةٌ بياضُكَ ويمكنكَ أنْ تزعمَ أنّه الصباحُ والفجرُ والحشرجاتُ وبياضُ الموتِ ومرّةً قسوتُكَ وهي مقبرةٌ ويمكنكَ أنْ تزعمَ أنّها قيامةٌ مُرجأةٌ ومرّةً طفلًا ولا يتسنّى أنْ تلعبَ ولا يتسنّى أنْ تلحسَ عَرَقكَ لتكتمَ وجعَ العَرَقِ ومرّةً لا تستفيقُ من نومٍ لأنّكَ تريدُ أنْ تنجو من النهارِ ومرّةً هانئًا لا ترتدي ثيابكَ لتلتحقَ بقدّاسٍ أو بجمهرةٍ ومرّةً تندلعُ ظهيرةٌ وتكونُ قد ربحتَ يدًا لترى أمامَكَ ومرّةً ركامٌ ومرارًا وترتعشُ ومرّةً كلُّ ما فيكَ هو فيكَ وركامٌ كلُّكَ وهيهاتِ أنْ يفلتَ زئبقٌ وعصفورٌ ودائمًا ومرّةً حجرٌ وحيدٌ تحتَ شمسٍ باليةٍ وكومةُ حجارٍ مرّةً وأصفارٌ في ورشةِ صفرٍ واحدٍ وصفرٌ في ورشةِ الأصفارِ وغيابُ الحسِّ والتهلكةُ ومرّةً تفقدُ الطريقُ تتمّتَها لتتذكّرَ حاجتَها إليكَ ومرّةً مسعفونَ يبحثونَ عن إبرةٍ ناجية في أديمٍ من عدمٍ ومن فرطِ الدموعِ لا يعودونَ في حاجةٍ إلى دموعٍ ومرّةً مرآتُكَ تدخلُ في مرآتكَ لتفرَّ من كونها أوهامَ مرآةٍ ومرّةً محبَطًا يكونُ الاحتمالُ ومعطوبًا وتكرارًا ومرارًا ومرّةً كمثلِ يونانَ في بطنِ الحوتِ وهذا شبهُ لعنةٍ وزلزلةٍ وهو آيةٌ ومرّةً نسوةٌ ينادينكَ وعبثًا ورفقًا بكَ لا يدحرجنَ حجرًا وليس لأنّكَ تيأسُ وتحزنُ وتعودُ القهقرى وليس لليلٍ أو لنهارٍ وليس لأنّكَ عاجزٌ لا تسمعُ فقبرُكَ منكَ وقبرُكَ فيكَ ودائمًا وأجملُ ما أنتَ أنّكَ بملئكَ تنصتُ إليه وينصتُ إليكَ فيصيرُ نسيمَ جسمكَ ويصيرُ الملءَ والتوأمَ ومرّةً في اليومِ الثالثِ كما في كلِّ يومٍ ثالثٍ ربُّكَ يفضّلُ أنْ لا يتزحزحَ فيبقى حيث هو وتبقى أنتَ حيث أنتَ ومرّةً عدمًا تكون حالُ الجسمِ وتكون عدمًا حالُ الروحِ ومرّةً طالبًا أنْ تُسعفوا يقينًا في عزلتِهِ ومرّةً وها هي ها هي وليس الألمُ ما يُعجَنُ ويُخبَزُ وليس البيتُ ما تتماسكُ حيطانُهُ وليس هو ما ينجو ويبقى ومرّةً تلو مرّةٍ تلو مرّةٍ ليس الموتُ سوى موتٍ سوى موتٍ سوى موت
وإنّي
مرّةً
طالبًا
أنْ تُسعفوا حربًا
أنْ تُسعفوا موتًا
أنْ تُسعفوا خمسينَ قتلًا وعامًا
من الموتِ
لكي تموتَ جميعها
لكي
خمسونَ عامًا
لكي خمسونَ قتلًا
وجميعُها
موتًا
تموت.