بقلم عمر حرفوش
تحتدم الانتخابات البلدية في كلّ البلدات، ورغم الاختلافات والخلافات، إلّا أنّ هدف كل لائحة تنافس لائحة أخرى في معظم البلدات والمدن تهدف إلى تحسين البلدة وإنمائها والتنافس على المشاريع المفيدة فيها.
وأمام هذه الصورة الطبيعية، تشهد مدينة طرابلس عاصمة الشمال حركة مخالفة لما هو بديهي، حيث تبدو المعركة أشبه بتقاسم قوالب جبنٍ بين بعض الجهات السياسية، والنتيجة معروفة سلفاً: المزيد من الإهمال والتشرد والفقر في طرابلس، واستمرار التسيب الأمني الذي يمنع المستثمرين من زيارة المدينة والاستثمار فيها وإنعاشها، كما يحصل في البترون مثلاً، التي لا تبعد كثيراً عن عاصمة الشمال.
الكثير من الأسئلة تتبادر إلى ذهني وإلى أذهان أهالي طرابلس الذين ملّوا هذا الوضع السيئ: فما الذي ينقص طرابلس؟ إنها الأجمل والأغنى على الصعيد التراثي والأثري. شعبها من الأطيب والأكرم ومطاعمها من بين الأشهى. لكنها حتماً تحتاج إلى بلدية نشيطة تُبرز جمالها وتدرك أنّ جذب السياح يجب أن يكون من أولوياتها، عوضاً عن البحث عما يؤمن لكلّ جماعة مسلّحة حماية وبيئة مناسبة تستمر عبرها في استغلال الفقراء والمستضعفين لصالح مشاريع لا تبني دولة.
طرابس عاصمة لشمال لبنان وهي جزء من لبنان وليست مدينة منفصلة، وإن كان النفس الجديد يسيطر على البلد كلّه، فلماذا يجب استثناء طرابلس؟ فالعاصمة لا ينقصها شيء، وفيها أهم رجال الأعمال والشخصيات السياسية القادرة على انتشالها من الفقر وإبراز صورتها الحضارية.
فمثلاً، يمكن لرئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي الترشح للانتخابات بعدما نجح كرجل أعمال ومارس نشاطاً سياسياً كرئيس للحكومة، فلماذا لا يفيد مدينته بما يملك من خبرة وعلاقات؟ أو لماذا لا يُقدم النائب اللواء أشرف ريفي على هذه الخطوة، مثلاً، لانتشال مدينته من هذا الوضع؟ ومن بين الأسماء الكثيرة مثلًا النائب السابق مصباح الأحدب، المعروف بنزاهته وكوجه نشيط ومعروف في المدينة ولبنان ولدى الدول أيضاً. هذه الأسماء يمكن أن تستغل معرفتها بشؤون المدينة وخبرتها بالعمل السياسي والنشاط الاجتماعي، لمساعدة المدينة على النهوض وجذب المستثمرين وتأمين فرص عمل لشباب طرابلس وشاباتها، بدلاً من تصدير الخبرات إلى المناطق المجاورة والخارج.
طرابلس تستحق منا جميعاً العمل الدؤوب والكثير من النشاط وعلى قدر الحاجة الكبيرة. فإنّ كلّ خطوة إيجابية تُعد نجاحاً للشخصية التي تُقدم على عملية الإنقاذ هذه. إلّا إذا كانت تعتبر هذه الشخصيات العمل البلدي خطوة تُخفف من مكانتها السياسية، وعندها يتبيّن أنّ طرابلس ليست وحدها التي تسير عكس التيار التقدمي، بل أفكار المسؤولين فيها أيضاً.