كتبت خلود وتار قاسم
في عالم يضج بالأزمات والنزاعات والتقلبات، تظل القيم الإنسانية هي الركيزة التي تحمي المجتمعات من الانهيار. وفي هذا الإطار، تبرز تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة – وتحديدًا إمارة دبي – كنموذج متفرّد في هندسة العمل الإنساني على أسس مؤسسية، تجعل من هذا القطاع عنصرًا فاعلًا ضمن رؤية تنموية شاملة.
لقد أتيحت لي الفرصة اليوم للمشاركة في افتتاح مؤتمر ومعرض DIHAD للعمل الإنساني والتنمية الذي انطلق في مركز دبي التجاري العالمي، بمشاركة نخبة من صناع القرار والعاملين في الشأن الإنساني من مختلف دول العالم. هذا الحدث لم يكن مجرد تظاهرة دولية، بل مساحة تفاعلية لصياغة رؤى مستقبلية ومعالجات واقعية للتحديات الإنسانية المتزايدة.
ما يميز التجربة الإماراتية في هذا المجال هو إدراكها العميق بأن العمل الإنساني لا يمكن أن يبقى حبيس المبادرات الفردية أو ردود الفعل المؤقتة. بل هو قطاع ثالث قائم بذاته، إلى جانب القطاعين العام والخاص، وله استراتيجياته، وأهدافه، ومؤسساته، وموارده المستدامة.
خلال جولتي في المعرض، كانت لي مشاركة فاعلة في ورشة العمل التي أدارها الدكتور أحمد تهلك، المدير العام لمؤسسة تراحم الخيرية بدبي، والتي تناولت الاتجاهات الحديثة في العمل الإنساني ضمن القطاع الثالث.
ومن أبرز ما طُرح في الجلسة: ضرورة التعامل مع الحالة الاجتماعية بشكل شمولي، بحيث لا يقتصر الدعم على تلبية الحاجة الفورية، بل يمتد إلى تمكين الفرد وإعادة إدماجه اجتماعيًا وتمهيد الطريق أمامه لبناء مستقبل مستقر.
لقد استوقفتني هذه المنهجية المتقدمة، خاصة حين أقارنها مع واقع العمل الإنساني في لبنان، حيث تغيب الرؤية المؤسسية وتُترك المبادرات في يد جمعيات أهلية تسدّ الفراغ ضمن إمكانيات محدودة، في ظل غياب واضح لدور الدولة.
لا يسعني في هذا المقام إلا أن أُشيد بالدور الريادي الذي تنهض به دولة الإمارات، قيادةً ومؤسسات، في جعل الكرامة الإنسانية في صلب السياسات العامة، بعيدًا عن الشعارات أو التسييس. هذا الالتزام النبيل يتجلى في جسور المساعدات التي تصل إلى الشعوب المنكوبة دون تمييز، وفي التجارب النموذجية التي ترسخ مكانة الإمارات كعاصمة للإنسانية.
إن مؤتمر DIHAD لا يُمثل فقط منصة للنقاش، بل هو مرآة لواقعٍ يمكن أن يتحقق حين تتوفر الإرادة، والرؤية، والهيكل المؤسسي. ومن هنا، فإن ما تقدمه الإمارات في مجال العمل الإنساني يجب أن يُدرس، ويُستلهم، ويُعمّم كنموذج حضاري يعيد الاعتبار للإنسان في زمن الماديات والتحولات الجافة.