رصاص عصابات المحور على الكلمة الحرة…
محاولة اغتيال نانسي اللقيس تفضح الخطر المتصاعد على الإعلاميين الشيعة المستقلين
في مشهدٍ يعكس تصاعد المخاطر المحدقة بالإعلاميين في لبنان، أقدم مجهولون على إطلاق تسع رصاصات مباشرة نحو سيارة الاعلامية نانسي اللقيس، مديرة تحرير موقع “الشرق نيوز”، أثناء ركنها أمام منزلها، في محاولة واضحة لبث الرعب وترهيب الصوت المهني الحر. وللمفارقة، لم تكن نانسي داخل السيارة وقت الاعتداء، فنجت من محاولة بدا جليًّا أنها لم تكن عبثية، بل مدروسة ومقصودة.
هذه الحادثة، وإن لم تُسفر عن إصابات، فهي مؤشر بالغ الخطورة على البيئة الأمنية القاتمة التي تحاصر الجسم الإعلامي في لبنان، لا سيما أولئك الذين يصرّون على ممارسة مهنتهم باستقلالية، أو يخرجون عن الخطاب التقليدي الذي تفرضه بعض القوى السياسية أو الطائفية.
ما يثير القلق بشكل خاص هو أن الإعلاميين الشيعة المستقلين، الذين يحاولون التعبير عن رأي حر خارج أُطر “الولاء الحزبي” المفروض، باتوا مستهدفين أكثر من سواهم. فبينما كان يُفترض أن تكون بيئتهم حاميةً لهم، صارت في بعض الحالات مصدراً للخطر، لا سيما حين يتجرّأون على انتقاد الأداء السياسي أو الفساد أو حتى مجرّد الدعوة إلى التنوع في الرأي داخل الطائفة.
أكثر من مرة، تعرّض صحافيون شيعة مستقلون لحملات تشويه، وتهديدات، واعتداءات موثقة وغير موثقة، من جهات تنتمي لـ”عصابات المحور”. لا يتم التعامل مع هؤلاء كأبناء الرأي الآخر، بل كخارجين عن الطاعة، وغالبًا ما تُبرَّر ملاحقتهم بخطابات تخوينية وتشهيرية، تسهم في تغذية خطاب الكراهية.
صمت الدولة وتواطؤ القضاء
في معظم الاعتداءات التي طالت الصحافيين في لبنان، لم تُحاسب أي جهة، وغالبًا ما جرى تمييع التحقيق أو الضغط لطيّه. وهذا الصمت الرسمي، بل وهذا العجز أو التواطؤ، يبعث برسالة خطيرة : إن أمن الإعلامي غير مضمون، وإن قول الحقيقة قد يكون مكلفًا، لا قانونيًا فقط، بل وجوديًا.
إن الاعتداء على الاعلامية نانسي اللقيس ليس مجرد استهداف شخصي، بل هو ناقوس خطرٍ لكل من يكتب أو يتحدث أو يُصوّر واقعًا لا يرضي “زعماء الطوائف”. وعلى الرغم من هذا الترهيب، يواصل كثيرون منهم – رجالًا ونساءً – أداء رسالتهم بجرأة، يدفعهم إيمانهم بأن الكلمة الحرة، ولو أصابها الرصاص، لا تموت.
إننا نطالب الأجهزة الأمنية بكشف الفاعلين، ومحاسبتهم دون مواربة أو تسييس، ونُحمّل السلطة بكامل مؤسساتها مسؤولية حماية الصحافيين من غدر الكاتم والعلني على حدّ سواء.