بعد عامين على المواجهة…

كتبت خلود الوتار قاسم

@kholoudwk

منذ عامين تمامًا، خضتُ واحدة من أشرس معاركي مع الحياة، معركة لم تكن جسدية فقط، بل روحية ووجودية بامتياز. كنت حينها أكتب من عمق الخوف، من قلب التجربة، أما اليوم، فأكتب من مكان مختلف، من ضوءٍ لا يشبه أي نور سابق، من سكينةٍ نالتها روحي بعد أن لامست هشاشة الحياة وقوتها في آنٍ واحد.

اليوم، وبعد أن مرّ عامان على العملية، أدركت أن ما كان يبدو لي في السابق مهمًا – الممتلكات، المظاهر، الطموحات المادية – لم يعد يعني شيئًا أمام النِعَم التي نغفل عنها يوميًا: الصحة، الوقت، الحب، الإيمان، ونعمة أن نستيقظ كل صباح بقدرة على العطاء.

لكن رغم نجاتي، ورغم شفائي، قلبي لم يعرف السلام الكامل، لأن في هذه اللحظة التي أكتب فيها، هناك شعب بأكمله يعيش ما اختبرته أنا في لحظة واحدة، لكن على مدار كل لحظة. في غزة، لا يُمنح الناس وقتًا لالتقاط أنفاسهم، ولا فرصة للنجاة الفردية. هناك، لا يأتي الخوف على هيئة تشخيص طبي فقط، بل على هيئة قصف وجوع ودمار وفقد يومي. إذا كنت أنا شعرت بالرعب من احتمال فقد حياتي، فما بالكم بمن يعيشون هذا الرعب جماعيًا؟ أطفال ونساء وشيوخ يواجهون الموت والفقد كل ثانية، بلا أمل قريب أو ملاذ آمن.

اليوم، لم أعد أركض خلف الألقاب أو الإنجازات الشكلية. اخترت أن أسخّر حياتي لما هو أسمى: للخدمة الإنسانية، لمداواة القلوب، ولمناصرة من يحتاجون إلى صوت وإلى دفء. لقد تحوّلت كل لحظة عشتها في المستشفى إلى بوابة وعي، وكل دمعة خوف إلى نداء حب أكبر للعالم.

من واجه الموت، لا يعود كما كان. ومن نجا، لا ينجو فقط لنفسه، بل ليُشفى ويشفي، ليحب ويُحب، ليكون شاهدًا على أن الخير أقوى، وأن الله حاضر في التفاصيل الصغيرة. وأقولها اليوم من قلبي: سلامٌ لغزة، لأهلها، لأمهاتها، لشهدائها، لجرحاها، لأطفالها الذين يستحقون الحياة.

أشكر الحياة لأنها امتحنتني، وأشكر الله لأنه اختارني لأختبر هذا التحوّل. واليوم، أعيش كل لحظة وكأنها الهدية الأخيرة – بكل وعي، وكل امتنان، وكل حب.

اخترنا لك