الجنازة حامية والميت كلب…

بقلم محمود شعيب – كاتب وناشط سياسي

@Cho82247Chouaib

يستشرسون لإعادة تكريس احتلالهم للبلديات وكأن إنجازاتهم السابقة كانت عظيمة… إنها الوقاحة بعينها.

في مشهد يعكس بؤس السياسة اللبنانية وانفصال تحالف المافيا والميليشيا عن الواقع، نشهد اليوم هستيريا انتخابية محمومة لدى قوى الأمر الواقع، وكأنهم على أبواب إنجاز وطني تاريخي، أو كأن عهدهم السابق في البلديات كان زمنًا ذهبيًا لا يُنسى.و الحقيقة أن العنوان الصادم “الجنازة حامية والميت كلب” لا ينم عن قسوة، بل يختصر الواقع بدقة مرعبة.

هؤلاء الذين يتهافتون اليوم لإعادة احتلال البلديات في الجنوب وبعلبك، لا يفعلون ذلك من منطلق خدمة الناس أو السعي للتنمية المحلية، بل لأن البلديات تشكل أحد آخر معاقل الزبائنية والنهب المنظم وسرقة المشاعات بعد اهتزاز قواعدهم الشعبية الوهمية بفعل الانهيار المالي، والانفجار الكارثي والحرب المدمرة، والفساد المستشري في كل مفصل من مفاصل الدولة.

أي “شعبية” يتحدثون عنها؟ وهل يمكن لجائع أن يصوت عن قناعة، أو لموظف منهك أن يمنح ثقته لجلاده،أو لصاحب راتب شهري مسلوب الارادة والقرار أن يعبر عن رأيه؟ إن ما يسعون إليه هو استعراض شعبية مصطنعة، قائمة على الترهيب والترغيب، وعلى ماكينة انتخابية تتخذ من الشعارات والشائعات والوعود الكاذبة نهجآ و تموّلها شبكات الفساد والإجرام نفسها،و لا تعتمد على الثقة الشعبية الحقيقية.

لقد كانت البلديات في معظمها خلال العقود الماضية أدوات لتكريس الولاءات وتمرير المصالح الحزبية، وتقاسم النفوذ، وتوزيع الحصص، وسرقة المشاعات وتثبيت المحسوبيات. لم تكن يومآ تنمية مستدامة، ولا مشاريع بنى تحتية، ولا بيئة نظيفة، بل كانت مزاريب سرقة للمال العام، ومكاتب توظيف مقنّعة، وأدوات للسيطرة السياسية على الحيز المحلي.

الوقاحة أن يعيدوا الكرّة دون خجل، وأن يتحدثوا عن “الإنجازات”، في وقت تنهار فيه البنى التحتية، وتُغرق النفايات الشوارع، وتغيب العدالة الاجتماعية عن أبسط القرارات البلدية. الوقاحة أن يُمننونا بالقليل من الفتات، ويعتبرونه “إنجازًا”، بينما يعيش المواطنون على فتات المولدات وصفوف الخبز وذل الخدمات.

المطلوب اليوم انتفاضة شعبية حقيقية، لا تكتفي بمقاطعة هذه المهزلة، بل تفضحها، وتُسقط مشروع إعادة إنتاج نفس الوجوه الفاشلة ولو بمكياج جديد. المطلوب معركة أخلاقية مجتمعية محلية، تقول بوضوح: لا لاحتلال البلديات مجددًا. لا لمن صادروا أحلام المدن والقرى، ويستميتون الآن لتزييف إرادة الناس بعض الاغبياء والطامحين.

لقد سقطت الأقنعة منء زمن بعيد، وما عادت المسرحيات تنطلي على أحد. حان الوقت لبلديات مستقلة، شفافة، منتجة، تعبر عن حاجات الناس لا أوهام الاحزاب والزعامات. فالبلدية ليست غنيمة، بل أمانة وهي إدارة رسمية محلية ممولة من الضرائب التي يدفعها كل الشعب اللبناني.

اخترنا لك