بقلم كوثر شيا
في لحظة تاريخية مفصلية، شهدت واجهة بيروت البحرية انطلاقة غير مسبوقة لمؤتمر “الزراعة نبض الحياة”، تحت رعاية فخامة رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، وحضور وزراء ونواب لبنانيين وعرب، إلى جانب شخصيات من المنظمات الدولية والخبراء الزراعيين. هذا المؤتمر لم يكن حدثاً عابراً، بل محطة محورية تعكس عودة الدولة إلى دورها السيادي في التخطيط، الحوكمة، والتنمية المتكاملة، وبداية مسار إصلاحي شامل يعيد للبنان هيبته ومكانته في الخارطة الزراعية الإقليمية.
منذ اللحظات الأولى لوصول رئيس الجمهورية إلى مقر المؤتمر، بدا واضحاً أن هذا الحدث وُضع على خارطة الأولويات الوطنية. فقد جاء بتنسيق محكم، مشاركة واسعة، وروح جديدة من التكامل بين الوزارات والمؤسسات العامة والخاصة، والمنظمات الدولية، ضمن خطة وطنية تنموية شاملة ومستدامة، تستند إلى العلم والتكنولوجيا، وتكرّس الزراعة كأولوية استراتيجية وليست قطاعاً مهمشاً.
الدكتور نزار هاني، وزير الزراعة، كان العنوان الأبرز لهذا التحول. بكلمة وطنية جامعة، أطلق حملة “الزراعة نبض الأرض” كرؤية تتجاوز الشعارات نحو إعادة صياغة الاقتصاد اللبناني على أساس إنتاجي مستدام، لا ريعي هشّ. تحدث بعمق عن الزراعة كهوية وطنية، كرامة إنسانية، وسلاح تنموي لمواجهة التحديات البيئية، الاقتصادية، والغذائية. وركّز على ضرورة الانتقال من الزراعة التقليدية إلى الزراعة الذكية عبر الاستثمار في البحوث والابتكار، من الذكاء الاصطناعي إلى الطاقة المتجددة.
الأهم، أن المؤتمر لم يكتفِ بالكلمات والنيات، بل تمخّض عن جلستين متخصصتين ناقشتا سبل تحفيز الاستثمارات، تطوير الزراعة المستدامة، وتعزيز الأمن الغذائي. وهذا ما يرسّخ أسس الحوكمة الزراعية الرشيدة، وربط التشريع بالتنفيذ، والرؤية بالفعل.
من النقاط اللافتة أيضاً، الإعلان عن “بطاقة المزارع” كهُوية رقمية متكاملة لدعم، إرشاد، تمويل وتسويق الإنتاج المحلي، ما يفتح الباب أمام عدالة زراعية حديثة وشفافة. كما أُبرز دور التعاونيات، الصناعات الغذائية، وربط الإنتاج بالتسويق لضمان قدرة لبنان التنافسية في الأسواق الإقليمية والدولية.
المؤتمر في مضمونه وشكله شكّل عودة للدولة كمظلة جامعة، لا راعٍ صامت. لقد لمس الحاضرون جوًا من الجدية والحكمة يليق بلبنان الرسالة، وجاء ليؤسس لبنية تحتية معنوية قبل أن تكون تقنية، تؤمن بأن الزراعة هي قلب السيادة الغذائية وعماد الاقتصاد المنتج.
كل التقدير والفخر يُهدى إلى الدكتور نزار هاني، هذا الوزير الاستثنائي الذي لا يكتفي بإدارة وزارة، بل يقود مشروعاً وطنياً بعقل مؤسسي ورؤية إصلاحية. وإلى كل من ساهم في إنجاح هذا المؤتمر، من مؤسسات ووزارات وطاقات شابة، وإلى فخامة رئيس الجمهورية الذي برعايته وحضوره أرسل رسالة واضحة: لبنان يبدأ من الأرض، ويُبنى بكرامة مزارعيه.
هذا المؤتمر ليس نهاية بل انطلاقة. فلنحوّل “الزراعة نبض الحياة” إلى فعل يومي، وسياسة عامة، وحق ثابت لكل لبناني بأن يأكل من خيرات أرضه، ويعيش على تراب وطنه.