كتب بلال مهدي
في زمن تتراكم فيه الأوهام على الحقائق، وتُقدّم الخطيئة على أنها بطولة، لا بد من كلمة حقّ تُقال.
في الخامس والعشرين من أيار، نستذكر ذاك اليوم العظيم من العام 2000، حين انكفأ العدو الصهيوني مذلولًا تحت ضربات المقاومين، واحتفل اللبنانيون، من كل الطوائف والمناطق، بعيد التحرير الأول، يوم ارتفعت رايات السيادة فوق تراب الجنوب بلا قيد ولا شرط.
لكن، ويا للأسى، تأتي الذكرى هذا العام مُحمّلة بالخذلان، بعدما ضُيّعت إنجازات التحرير، وأعيد الاحتلال بأشكال جديدة، لا بالدبابات فقط، بل بقرار متهوّر اتُخذ باسم “جبهة إسناد غزة”، فحوّل الجنوب اللبناني إلى جبهة مفتوحة، لا تخدم فلسطين، بل تهدم ما تبقّى من لبنان.
فهل هناك من يملك الحق في نسف منجزات الشعب والجيش والمقاومة الوطنية؟ هل هناك من يخوّله الدم والخراب أن يُعيدنا إلى ما قبل التحرير؟
إن دماء الشهداء الذين سقطوا في مقاومة العدو الصهيوني منذ عام 1982 وحتى تحرير 2000، كانت دماءً من أجل الحرية، من أجل لبنان السيد الحر، لا من أجل جرّه إلى معارك بالوكالة وتحويله إلى صندوق بريد للرسائل الإقليمية.
اليوم، نقولها بملء الصوت، لقد فقدنا بهجة عيد التحرير، لأن من احتكر قرار الحرب والسلم صادر أيضًا بهجة السيادة، وشرّع أبواب الجنوب أمام العدو من جديد، ليعود الاحتلال ويستوطن الأرض بالنار والحديد.
لكننا لم ولن نفقد الأمل. فلبنان يستحقّ تحريرًا جديدًا، لا من العدو “الإسرائيلي” فحسب، بل من الداخل أيضًا… من هيمنة السلاح، من طغيان التفرّد، من اختطاف القرار الوطني.
نريد تحريرًا على يد الدولة اللبنانية وحدها، بتحصين المؤسسات، وتثبيت الشرعية، وتمكين الجيش، الذي هو وحده حامي الأرض والعرض.
نريد لبنانًا لكلّ أبنائه، لا يُختزل بمرجعية أو حزب أو محور، بل يُبنى بتطبيق الدستور وبناء المؤسسات.
المجد والخلود لشهداء التحرير، الرحمة على من قاوم فانتصر.